صافيناز التي ماتت شامخة

حمود بن علي الطوقي

في عام 1994 تعرفتُ على الأستاذة صافيناز حسن الدماصي، وكنتُ وقتها مُحررًا صحفيًا بجريدة الوطن، واختارتني جريدة الاتحاد الإماراتية كي أكون مُديرًا لمكتب الجريدة في مسقط، وجاءت الأستاذة صافيناز إلى المكتب لطلب وظيفة مُنسقة بناءً على إعلان منشور. وقد كان المسؤول عن الاختيار لهذه الوظيقة الأستاذ غنام الذي جاء خصيصًا من أبوظبي، وقد تقدَّم للوظيفة عدد كبير، وتم اختيار الأستاذة صافيناز بناءً على الشروط والمهارات المطلوبة، وكانت هي الأنسب؛ حيث ستكون المُنسقة وتتولى كافة الأمور الإدارية والتنسيقية من الطباعة وكتابة الأخبار والتنسيق وإرسال الأخبار والصور بواسطة "الموديم"، وذلك قبل مرحلة الإنترنت.

ظلت الأستاذة صافيناز تعمل في المكتب كمُنسقة، وعملت على تطوير أرشيف المكتب وصنفت كل الملفات والصور بشكل مُذهل، وعلى مدار عشر سنوات كانت هي "الدينمو" المُحرك للمكتب، كنتُ التقي معها خلال الفترة المسائية وأرسل لها الأخبار وتطبعها بشكل مُنظم، فقد كانت منظمة ومواظبة في عملها، كانت في بعض الأحيان تستأذن بأن يكون أولادها الصغار معها لتتابع دروسهم.. أولادُها: شيرين ونيفين وأحمد وطلال أجمل هدية من الله لهذه المرأة الفاضلة، فقد توفي زوجها الأستاذ حمدي الجندي ليُدفن في عُمان، وتحملت مسؤولية تربية أبنائها متحدية الصعاب والعراقيل، وقبل تسع سنوات ألحقنا ابنها أحمد ليكون معها في العمل، وظل معها كالظل لم يفارقها أبدًا، وكان الشخص الذي لازمها في مرضها وحتى وقت وفاتها ودفن جثمانها.

عندما قررت جريدة الاتحاد غلق مكتبها في مسقط عام 2004 قررتُ ألا استغني عن الأستاذة صافيناز. وأسستُ مجلة الواحة وكانت معي خطوة بخطوة في هذا التأسيس، كانت قنوعة بالراتب الصغير؛ لأنها كانت تعلم أننا في بداية الطريق، كان لسانها لا يتوقف عن الدعاء بأن الله لن ينسانا في عملنا، فقد كانت الطاقة الإيجابية بالمكتب، كانت تُنسق وتبحث عن أية أفكار لتكون مصدر إلهامنا. ارتبط اسم الأستاذة صافيناز بكل من عمل معنا، وضعت خبرتها لكل من جاء بعدها، كانت تسوّق مجلة مرشد وتخاطب الجهات الحكومية والخاصة للاشتراك بمجلة الواحة، انتقلنا حسب الظروف إلى أكثر من مكان، عدد كبير من الزملاء تدربوا وعملوا وبحثوا عن أماكن أخرى، باستثناء الأستاذة صافيناز، فقد رفضت كل الإغراءات وظلت مُتمسكة بالعمل معي رغم الظروف المالية الصَّعبة، كانت لديها قناعة بأننا سنتجاوز الصعوبات، وكانت تبحث عن مصدر لكي نستمر في العمل وتستمر المجلة في الصدور.

كانت الأستاذة صافيناز مصدرًا للتعريف بالمجلة، وكانت تخرج وتحمل المجلات وتزور المُؤسسات لكي تعرف الجمهور بالمجلة.. عرفها الجميع بأخلاقها الدمثة وأسلوبها الراقي في التعامل، وصبرها الطويل في المُتابعة. ورغم التحديات التي تواجهنا كانت الأستاذة صافيناز صابرة ومتفائلة بالمستقبل، أصبح اسمها معروفًا لدى الجميع، وكان خبر وفاتها فاجعة؛ حيث انتشر كصاعقة البرق وتلقينا سيلًا من الاتصالات من أشخاص لم نعرفهم يقدمون لنا التعزية في وفاة هذه السيدة الرائعة والراقية.

أتذكرُ أننا عندما أسسنا مجلة مرشد للأطفال كانت تخرج منذ الصباح الباكر، وتنسق مع المدارس لكي تسوق المجلة وتُعرّف الأطفال بهذه المجلة الجديدة، كانت تقف لساعات طويلة في معرض مسقط الدولي للكتاب في جناح مجلة مرشد لبيع المجلة، وكانت تُقدم شرحًا عن المجلة ورؤيتها، واستطاعت بأسلوبها الراقي أن تكسب محبة الجميع حتى ارتبط اسمها بكل أطفال عُمان.

كان هاتفها يحمل مئات من صور الأطفال الذين يرغبون في نشر صورهم بالمجلة.. هذه الإنسانة الرائعة تعددت مناقبها وصفاتها الحميدة، وأصبحت رمزًا للعمل في مجلة الواحة ومجلة مرشد. وقد ظلت وفية في عملها حتى وهي على فراش المرض..

قدمت الأستاذة صافيناز الدماصي إلى عُمان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وظلت تعمل طوال هذه السنوات بكل نشاط وحيوية وإخلاص، وكان نصيبي من العمل معها 28 سنة، سجلت الأستاذة صافيناز خلال هذه السنوات ملحمة في العمل والإخلاص والتفاني والمثابرة.

عرفها الجميع امرأة خلوقة مُجِّدة ومُجتهدة مُبتسمة، عذبة الحديث تقدر الجميع الصغير والكبير، وفي السادس من يونيو 2021 ودعتنا بعد إصابتها بفيروس كورونا اللعين، الذي لم يُمهلها طويلًا لتفارق الحياة، وتعود الأمانة إلى بارئها، بينما نحن وعائلتها الصغيرة وكل من عرفها، تلقينا الخبر الصادم رافعين الأكف إلى الله أن يتغمدها بواسع رحمته ويسكنها فسيح جناته.

وداعًا الأستاذة والمربية الفاضلة صافينار الدماصي إلى جنات الخلد بإذن الله.