مطالب بحصر دورها على "الوساطة" بين الباحث عن عمل والمُؤسسات

الاتهامات تلاحق "شركات التوظيف": لا للاستغلال!

...
...

◄ المنذري: الوضع الاقتصادي يمر بتحديات معلومة.. ولا ينبغي إهدار المال العام

◄ الهوتي: شركات التوظيف لا تعكس "فسادًا إداريًا".. والمشكلة في التطبيق وليس الفكرة

◄ البطاشي: ضرورة مراجعة القوانين المنظمة لعمل هذه الشركات لتفادي الاستغلال

 

الرؤية- أسعد اليعقوبي

تفجَّرت خلال الأيام القليلة الماضية قضية "شركات التوظيف" في خضم التفاعل المُجتمعي الواسع مع ملف الباحثين عن عمل، وتتلخص القضية في قيام شركات توظيف بتعيين موظفين عُمانيين أو غير عُمانيين في وظائف بمؤسسات حكومية، وتتولى الجهة الحكومية دفع رواتب هؤلاء الموظفين، وتحصل شركة التوظيف على نحو 50% تقريباً من هذا الراتب، ومن ثم يحصل الموظف على نصف قيمة الراتب الذي خصصته الجهة الحكومية.

وتزايدت ردود الأفعال حول هذه القضية؛ حيث أطلق مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي حملة ضد هذه الشركات، مُتهمين الأطراف ذات العلاقة بإهدار المال العام، ومطالبين بمحاسبة أي شخص يثبت تورطه في تهم فساد. وكانت "الرؤية" تطرقت لهذه القضية عبر نشر مقال للكاتب الدكتور عبدالله باحجاج بعنوان "المتاجرة بمرتبات المواطنين" في يوليو من العام الماضي.

 

استغلال الموظف

وأكد مسؤولون وخبراء في تصريحات خاصة لـ"الرؤية" ضرورة مراجعة عمل هذه الشركات، وتحقيق أعلى قدر من الاستفادة من أنشطتها، شريطة ألا تقاسم الموظف في راتبه الذي يستحقه، مشيرين إلى أنَّ هذا النوع من الشركات متعارف عليه حول العالم، لكن دورها ينحصر فقط في الوساطة بين الباحث عن عمل وصاحب العمل، مُقابل مبلغ "سمسرة" متفق عليه فقط.

وقال سعادة يونس المنذري رئيس لجنة الشباب والموارد البشرية بمجلس الشورى إنه لا يوجد ما يمنع الجهات الحكومية من التوظيف المباشر للمواطنين بدلاً من الاستعانة بهذه الشركات، منوهاً بأنه "هذا ما يفترض أن يكون". وأشار المنذري إلى أنَّ أحد فروع جامعة التقنية والعلوم التطبيقية تعاقد مع واحدة من هذه الشركات لتعيين مُحاضرين من خارج السلطنة، وأنه فوجئ أنه حتى العمانيين الراغبين في الالتحاق كأكاديميين في هذه الكليات يتوجب عليهم التسجيل في شركات التوظيف، معتبراً ذلك استنزافاً للكثير من المبالغ، على عكس التوظيف المُباشر من المؤسسة نفسها. وقال المنذري إن اللجنة ناقشت القضية مع وزارة العمل وعقدت مقارنة بين أن تدفع المؤسسات لهذه الشركات أو أن تقوم بالتوظيف المباشر.

يونس المنذري رئيس لجنة الشباب والموارد.jpg
 

وأضاف: "الوضع الاقتصادي يمر بعدد من التحديات، لذلك ينبغي على مسؤولي الرقابة المالية والإدارية فحص هذه القضية، ووقف إهدار المال العام". وأشاد المنذري بالدور الذي يقوم به جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، مؤكدا أنه "دور أصيل"؛ كونه الجهة المعنية بالرقابة على المال العام وينبغي على الجهاز أن يكون له تقرير في هذا الشأن يتم رفعه للجهات العُليا من أجل حسم هذا الموضوع، وإنهاء التصرفات غير العادلة لهذه الشركات. وقال "لا حاجة لنا بهذه الشركات وينبغي أن يكون التوظيف مباشراً"، مضيفاً أنَّ القوانين في السلطنة تكفل لمن تحق له الوظيفة أن تكون عملية توظيفه عمليةً مباشرة، سواءً كان بالعقد المباشر أو بالنظام اليومي.

نظام عالمي

وقال أحمد بن عبدالكريم الهوتي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عُمان ورئيس اللجنة الاقتصادية والدراسات والبحوث، إن شركات التوظيف موجودة على المستوى العالمي في كل البلدان، ووجدت هذه الشركات بسبب حاجة بعض الجهات إلى عمالة مُدربة وجاهزة وتمتلك الخبرة الكافية، كما أنها تمتلك روابط مع شركات أخرى خارج السلطنة وتستطيع من خلال هذه المنصات والعلاقات أن تتفق مع الشخص الباحث عن وظيفة وتجري له المُقابلة.

أحمد بن عبدالكريم الهوتي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة.jpeg
 

وأضاف الهوتي أنه يمكن تسجيل الشركة قانونيًا، لافتاً إلى أن بعض الدول قد تحتاج إلى موظفين من عُمان، وفي بعض الأحيان قد تخفق المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات أسوة بشركات التوظيف أحياناً في الحصول على الموظف المناسب، بسبب الحاجة لفريق يذهب للدولة التي تأتي منها العمالة وتكلف الكثير من الوقت والمال، ولكن شركات التوظيف بعلاقاتها تتحمل تلك الأعباء وتقوم بهذا الجهد. ومضى الهوتي قائلا: "لا نستطيع وصف الأمر بالفساد الإداري؛ بل هو في الأساس عبارة عن خدمة تقدمها هذه الشركات لجهات أخرى كالمؤسسات الحكومية والخاصة، وذلك في سبيل تقليص النفقات الإدارية في مسألة عملية التوظيف على هذه المؤسسات". غير أنه استدرك قائلاً إن المشكلة في التطبيق وليس في الفكرة؛ أي أن يتوفر من المواطنين من هم باحثون عن هذه الوظائف، لكن شركات التوظيف تستقدم من يوازيهم من الوافدين من الخارج لتحقيق مزيد من الربح. وشدد الهوتي على أهمية أن تولي هذه الشركات المواطن الأولوية القصوى، وأن تكون الوظيفة دائماً وأبدًا للمواطن.

مراجعة القوانين

وقال نبهان بن أحمد البطاشي رئيس الاتحاد العام للعمال- لـ"الرؤية"- إنه كحال أي شركات أخرى، تقوم شركات التوظيف على أساس تقديم خدمة معينة بمُقابل مالي، ويتعيّن أن تؤسس هذه الشركات بالإجراءات التي نصت عليها القوانين الوطنية، وهو الأمر الذي يقودنا إلى أهمية مراجعة تلك القوانين بما يحفظ حق العامل في القطاع الخاص من أي شكل من أشكال الاستغلال الذي قد يُمارس ضده بموجب عقود العمل أو العقود التي تبرم بين شركات التوظيف مقدمة الخدمة والجهات المستفيدة من تلك الخدمة. وأضاف البطاشي أنه يُمكن التكهّن بالسبب الرئيسي لاستعانة المؤسسات الحكومية بشركات التوظيف، وهو أنَّ هذه الجهات قد تكون بحاجة إلى خدمات معينة أو موظفين يقومون بتقديم هذه الخدمات، فتتعاقد مع شركات توظيف لتوفر لها العدد الذي تحتاجه من الموظفين بمقابل مالي مُعيَّن دون أن يترتب على هذا الأمر استحداث وظائف أو درجات مالية، لاسيّما وأن هذا الأمر يحتاج إلى موافقات من جهات أخرى، وصرف علاوات دورية لهؤلاء الموظفين؛ لأنهم غير مُعينين بالجهة المستفيدة من الخدمة، ومنح ترقيات مالية أو وظيفية، ودفع مُساهمات في النظام التقاعدي للموظف، وصرف مكافآت سنوية أو تشجيعية أو أي مزايا أخرى بموجب القوانين واللوائح، صرف الأجور في الفترات التي تنتفي الحاجة إلى خدمة أولئك الموظفين.

نبهان بن أحمد البطاشي رئيس الاتحاد العام للعمال.jpg
 

وأشار البطاشي إلى قانونية شركات التوظيف، وقال إنَّ مشروعية التعامل مع مثل هذه الشركات تعتمد على كونها تعمل في إطار القانون من عدمه، وأنَّ التعاقد معها جرى في إطار القانون من عدمه، ومن ثم فإنَّ الحديث عن مُراجعة القوانين المنظمة لعمل مثل هذه الشركات وآلية التعامل معها سواءً من قبل الجهات الحكومية أو الخاصة هو السبيل الأنجع لتفادي وقوع العاملين بتلك الشركات تحت أي شكل من أشكال الاستغلال، مضيفاً، "ونرى أنه ينبغي أن يقتصر دور شركات التوظيف- إن كان ثمة أهمية حقيقية لوجودها- على تقديم الدعم للمواطن الباحث عن عمل في الحصول على الوظيفة أو المهنة المناسبة له".

وقال البطاشي إنَّ دور شركات التوظيف ينتهي بحصول الباحث عن عمل على تلك الفرصة، أو تقديم دعمها للجهات المستفيدة من الخدمة- حكوميةً كانت أو خاصة- بالمساهمة في إجراء الاختبارات التحريرية أو المُقابلات الشخصية أو المفاضلة بين المترشحين للوظيفة. أما أن يتعيّن الباحث عن عمل في شركة التوظيف ثم تقوم هذه الأخيرة بتشغيله في الجهات المستفيدة بمقابل مالي تتقاضاه من هذه الجهات وتقوم بصرف جزء يسير من ذلك المُقابل على شكل أجور، فهذا أمر يستوجب المراجعة لأنه يترتب عليه إثراء هذه الشركات من وراء موظفيها دون سبب مقبول.

عدم المساواة

وأوضح البطاشي أنَّ ذلك الأمر من شأنه أن يخلق لدى هؤلاء الموظفين شعورًا بعدم المساواة، فتجد بعضهم يعمل ذات العمل الذي يعمل به الموظف المعيّن في الجهة التي جرى تشغيله فيها، إلا أن فارق الأجر والامتيازات بينهما كبير، كما تشتكي عاملات النظافة في بعض المدارس من عدم التزام شركات النظافة بتسليم أجورهنّ خلال فترة الإجازات المدرسية، الأمر الذي يشكل انتهاكًا لحقوقهن في استلام أجورهنّ شهريًّا طوال فترة التعاقد، فضلًا عن انعدام أو ضعف رقابة الجهات المستفيدة من وفاء شركات التوظيف بالتزاماتها التعاقدية تجاه أولئك الموظفين.

وتلافيًا لتلك الآثار وحفاظًا على حق هؤلاء الموظفين، يقترح البطاشي تعيينهم في تلك الجهات الحكومية أو الخاصة (المستفيدة) التي يعملون بها، وأن تجري الجهات المختصة دراسة شاملة حول هذا الموضوع، لبحث جدوى التعاقد مع هذه الشركات.

تعليق عبر الفيس بوك