الموازنة بين الصحة والاقتصاد

◄ فتح الأنشطة التجارية يسهم في تحقيق التعافي الاقتصادي

◄ تسريع وتيرة توزيع اللقاحات يعزز جهود محاربة الوباء

◄ لا بُد من بث رسائل لطمأنة القطاع الخاص وتمكينه من القيام بمسؤولياته

حاتم الطائي

حظيتْ القرارات الأخيرة الصادرة عن اللجنة العُليا المُكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا بإشادة مُجتمعية واسعة، وجوهر هذه الإشادة أنَّ القرارات نجحت في تحقيق التوازن بين الصحة والاقتصاد.

هذا التوازن الذي ظل هدفًا للجميع، تحقق الآن في القرارات التي سمحت بفتح جميع الأنشطة الاقتصادية في الأوقات المُعتادة، مع الإبقاء على إلزامية الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الوباء. التوازن الذي نتحدَّث عنه كان مطلبًا دائمًا منذ بدء تفشي الجائحة، وسعت اللجنة المعنية ومؤسسات الدولة للعمل من أجل هذا الهدف، فالتحديات الاقتصادية التي نجمت عن انتشار الفيروس تسببت في مشكلات هائلة، منها حالة الركود العام التي أصابت الاقتصاد، وإفلاس العديد من الشركات، وخاصة المُؤسسات الصغيرة والمُتوسطة، إلى جانب تعثر الكثير من الشركات، بما فيها الكبيرة، ما دفع ببعض هذه الشركات إلى إنهاء خدمات أعداد كبيرة من العاملين، ومنهم مواطنون، وهو بلا شك إجراء قاسٍ، لكنَّ المُؤكد والواضح أنَّ هذه الشركات لم تجد بُدًا سوى ذلك. فقد ضاقت الأوضاع على هذه الشركات بما رحبت المنظومة الاقتصادية، وأدى هذا كذلك إلى توقف الشركات عن توظيف الباحثين عن عمل؛ نتيجة لعدم قدرتها على الوفاء بالالتزامات المالية تجاه موظفيها الحاليين، فما بالنا بموظفين جدد!! وقد نشرنا وقرأنا خلال الفترات الماضية مُناشدات عديدة من أصحاب الشركات ورواد الأعمال بضرورة السماح بمزاولة الأنشطة الاقتصادية، وألا نضطر إلى تطبيق أي إغلاقات، لأنها ببساطة تعني المزيد من الخسائر الاقتصادية.. لكن في المُقابل كان على الجهات المعنية ضمان عدم تفاقم الأوضاع الصحية، خاصة وأننا وصلنا لمرحلة كنَّا نسجل أرقاماً قياسية من الإصابات والوفيات خلال شهري أبريل ومايو، وما زالت الإحصائيات اليومية تشير إلى عدم تراجع المنحنى الوبائي، إلا أنَّ الجهود المبذولة لتوسيع عملية التطعيم باللقاحات المضادة لكورونا- رغم تأخرها- من شأنها أن تساعد على تجاوز جزء من التحديات.

ولذلك نحث وزارة الصحة على أهمية تسريع وتيرة توزيع اللقاحات، لاسيما بعد الإعلان عن وصول 200 ألف جرعة من اللقاحات أسبوعياً، ليصل إجمالي ما نتسلمه خلال الشهر الجاري إلى 1.2 مليون جرعة. فلا ينبغي أن يعرقل جهود التطعيم وتوسيع حملة التحصين، أي نوع من الإجراءات البيروقراطية، بل إتاحة المجال لأكبر عدد من الأشخاص للحصول على اللقاح، لاسيما في ظل استمرار ترويج البعض للشائعات المُؤسفة حول اللقاحات، سواء أولئك الذين يتعمدون نشر معلومات مُضللة وغير صحيحة على الإطلاق عن اللقاح، أو الذين يطعنون في لقاحات مُعتمدة دوليًا من منظمة الصحة العالمية، وهي متاحة هنا في السلطنة، فأمثال هؤلاء ينبغي توجيه الاتهامات الرسمية إليهم، لأنهم يُهدرون كل الجهود الوطنية المُخلصة الرامية إلى تخفيف حدة الأزمة، ومنع الإصابات قدر المستطاع. فلا يخفى على أحد أنَّ هناك من يلهث وراء الإثارة في عالم "السوشال ميديا"، ويرغب في حصد أكبر عدد من الإعجابات "اللايكات" على حساب الأمانة والضمير والصدق مع المُجتمع. علينا مُحاربة الشائعات الخاصة باللقاحات من خلال توسيع نطاق عملية التطعيم، حتى إذا تطلب الأمر استمرار الحملات التي تطرق البيوت لتطعيم العائلات، لاسيما في المناطق الريفية والبعيدة.

لقد تحدثنا في مقال سابق عن أهمية تعميق الاقتصاد، من خلال إيجاد قاعدة اقتصادية أكبر تتسع لمُختلف الأنشطة، وفتح المجال أمام الجميع للعمل من أجل تحقيق التعافي الاقتصادي المنشود، ومن هنا يجب أن تكون نظرة مؤسسات الدولة، السعي إلى بث رسائل الطمأنة للقطاع الخاص، فهذا القطاع الذي ظل لعقود طويلة يعتمد اعتماداً كلياً على الحكومة، وفق نظام الاقتصاد الريعي، مُطالب الآن بقيادة دفة الاقتصاد، والخروج به من عُنق الزجاجة الذي نمر به في الوقت الراهن، ومثل هذه المتطلبات تستوجب مُواصلة تقديم الحوافز، وعدم التوقف عند إجراءات أو خطة بعينها؛ بل البناء عليها، وتطويرها باستمرار والبحث المُتواصل عن أية معوقات أو تحديات تؤخر تحقيق التعافي.

فمثلاً فيما يتعلق بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لا ينبغي الحديث وحسب عن عدد المؤسسات المسجلة لدى الجهة المعنية، ولكن أيضًا السعي الحثيث لتقديم كل سُبل التمويل اللازم لنموها، وهنا يقع دور كبير على بنك التنمية لإنجاز ذلك، مع التأكيد على أهمية تسريع وتيرة الحصول على القروض التنموية بأقل فائدة مُمكنة، سواء من بنك التنمية أو البنوك الأخرى. والجميع يأمل من البنك المركزي العُماني خفض سعر الفائدة الذي ما زال مرتفعاً، مقارنة بمؤشر التضخم، الذي لم يسجل أي ارتفاعات كبيرة خلال الأعوام الماضية، ما يعني أن  الوقت مناسب لخفض سعر الفائدة.

مثل هذه الإجراءات ستُساعد مؤسسات القطاع الخاص على التعافي، بالتوازي مع حزم تحفيزية تعلنها الجهات المختصة بين الحين والآخر، فبالأمس أعلنت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية "مدائن" عن حوافز جديدة للاستثمار في مدينة صور الصناعية، وهي واحدة من المدن الصناعية الواعدة، التي يمكن أن ترفد اقتصادنا الوطني بعوائد مالية جيدة، وفرص تصنيع وتصدير كبيرة، خصوصاً في ظل موقعها الاستراتيجي الشرقي، وتوسطها- تقريبا- المسافة بين الموانئ الرئيسية، سواء كانت صحار أم الدقم أم صلالة، وغيرها.

التعافي الذي نطمح له يبدو قريب المنال، خاصة مع عودة الأنشطة الاقتصادية بالكامل، وجهود التوظيف الجارية على قدم وساق للباحثين عن عمل، والذين سيعززون القوة الشرائية في المُجتمع بعد تعيينهم، إلى جانب جهود الإحلال وخلق الوظائف.

وختامًا.. نُؤكد مُجددًا على ضرورة مواصلة نشر رسائل الطمأنة والتحفيز، بالتوازي مع جهود مُحاربة الوباء، واستمرار الدعم المُقدم للقطاع الخاص بشتى الطرق المُمكنة، من أجل أن يقوم بدوره الوطني المنشود، وأن يقف الجميع صفًا واحدًا في وجه هذا الوباء الشرس والمُدمِّر، وألّا نلجأ إلى الخيارات الصعبة، وأن يكون "آخر الدواء الكي".