ترجمة- عزة الهنائية
سلطت صحيفة نيويورك تايمز الضوء على ما وصفته بأنه "تأييد عَلنِي" مقدم من الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسرائيل، وذكرت في تقرير- أعده مايكل كراولي المراسل الدبلوماسي، وآني كارني مراسلة الصحيفة في البيت الأبيض- أنَّ بايدن وخلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، أبدى دعمه العلني لإسرائيل، لكنه في المقابل شدَّد من لهجته سرًا مع بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي.
وتحدث الرئيس بايدن علناً عن الطريقة التي تحدث بها ذات مرة إلى نتنياهو؛ حيث أرسل له صورة مكتوب عليها "عزيزي، بالرغم من أنني لا أتفق مع أي من التفاهات التي تتقولها، لكنني أحبك".
وحافظ بايدن على دعمه العلني لإسرائيل حتى في الوقت الذي تبنى فيه لهجة أكثر حدة إلى حد ما مع نتنياهو، وهي حسابات شكلتها علاقة بايدن الطويلة الأمد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي.
ويرتبط بايدن بعلاقات معقدة تمتد إلى 40 عامًا، عندما شغل نتنياهو منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في السفارة الإسرائيلية بواشنطن، وكان بايدن وقتذاك عضوا شابا في مجلس الشيوخ شغوفا بالشؤون الخارجية. ومنذ ذلك الحين، نادرا ما شوهدا وجهاً لوجه، لكن العلاقات تواصلت خلال مراحل تولي نتنياهو لرئاسة الوزراء.
ويقول خبراء الشرق الأوسط ومسؤولون أمريكيون سابقون إن العديد من حسابات بايدن متجذرة في حقبة مختلفة من العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، عندما حظيت المخاوف الأمنية الإسرائيلية باهتمام أكبر بكثير من المظالم الفلسطينية، كما إن نهج بايدن لا علاقة له بالوضع العسكري على الأرض، بقدر ما يتعلق بالسياسة الداخلية وجدول أعماله الأوسع للسياسة الخارجية، بما في ذلك المحادثات النووية مع إيران.
أما نتنياهو فيقاتل من أجل الحفاظ على حياته السياسية في الداخل، بينما يحاول الحفاظ على دعم واشنطن لبلاده. ومع وجود بايدن الآن في المكتب البيضاوي، يسعى الطرفان إلى الحفاظ على الثقة المتبادلة وسط قوى أكبر تفصلهم عن بعضهما البعض.
وقال مارتن إنديك، وهو سفير سابق للولايات المتحدة لدى إسرائيل، إن بايدن سعى حثيثاً لإقناع نتنياهو بإنهاء الضربات على غزة، مضيفاً أن الرئيس الأمريكي حاول إجبار نتنياهو للموافقة على وقف إطلاق النار "من خلال توضيح أنه في صالح إسرائيل، وأن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها".
ورصدت الصحيفة في تقريرها ما تعرض له كل من بايدن ونتنياهو لنجاحات وإخفاقات في عالم السياسة خلال مسيرتيهما، فبعد أن واجه نتنياهو هزيمته الانتخابية الأولى في عام 1999، بعث إليه بايدن برسالة إعجاب أشاد فيها بما أظهره من "شجاعة سياسية" خلال المفاوضات مع الفلسطينيين التي استضافتها الولايات المتحدة في ميريلاند آنذاك. وعبر نتنياهو عن امتنانه لبايدن لأنه السياسي الأمريكي الوحيد الذي كتب إليه بعد هزيمته. لكن في عام 2010، شرع بايدن- عندما كان نائبا للرئيس- في زيارة إلى إسرائيل عندما صُدم بخبر غير متوقع وغير مرحب به مع إعلان الحكومة الإسرائيلية موافقتها على بناء مستوطنات جديدة في القدس الشرقية المحتلة، وهو ما شكل انتكاسة لجهود إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما للتوسط في محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية. وفي تلك الفترة أعرب مسؤولو البيت الأبيض عن غضبهم الشديد من إسرائيل، وحث العديد منهم بايدن على عدم تلبية دعوة العشاء المقررة مع نتنياهو في تل أبيب، ومغادرة البلاد فورًا. لكن بايدن لم يوافق على ذلك، واختار مواجهة نتنياهو على انفراد مع التقليل من الخلاف المعلن، مراهنا على أنَّ مثل هذا النهج سيكون أكثر فعالية، على حد قول مصادر مقربة من بايدن. وفي تلك الأثناء قال بايدن، وهو يقف إلى جانب نتنياهو في مقر رئاسة الوزراء: "نستطيع تحقيق التقدم في الشرق الأوسط عندما يعلم الجميع أنه لا مسافات فاصلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل... عندما يتعلق الأمر بأمن إسرائيل". لكن في المقابل، وعلى العشاء، كانت لهجته أشد انتقادًا وبشكل ملحوظ.
وتماشياً مع وجهة نظر بايدن منذ فترة طويلة بأن السياسة الخارجية الأمريكية كانت تدفعها العلاقات الشخصية، أوضح مرارا وتكرارا على مر السنين أن سخطه في بعض الأحيان على السياسات اليمينية المتطرفة لنتنياهو في مثل هذه اللحظات، لن يمزق أبداً العلاقة بينهما.
وبعد أن ظهرت التوترات بين نتنياهو والبيت الأبيض حول البرنامج النووي الإيراني إلى الرأي العام في أواخر عام 2014، قدم بايدن، خلال كلمة ألقاها أمام منظمة "إيباك" اليهودية الأمريكية، تأكيدات على أنه ونتنياهو "ما زالا صديقين".
وذكرت مصادر على دراية بطريقة تفكير بايدن أن وجهة نظره بشأن إسرائيل "مستنيرة أكثر بكثير" من علاقته مع نتنياهو، وكثيرا ما يتذكر بايدن الزيارة التي قام بها عندما كان عضوا في مجلس الشيوخ وهو يبلغ من العمر 30 عاما في خريف عام 1973 والتقى خلالها رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك، جولدا مائير، عشية حرب أكتوبر 1973. وقال بايدن إنه "اهتز بسبب حجم التهديد الذي تتعرض له إسرائيل"، ووصف ذلك بأنه "واحد من أكثر الاجتماعات أهمية التي عقدتها في حياتي".
وفي سنوات لاحقة لذلك، أكد بايدن مرارا وتكرارا حبه لإسرائيل، وقال لمحطة تلفزيون إسرائيلية في عام 2007: "أنا صهيوني. ليس عليك أن تكون يهوديا لكي تكون صهيونيا".
ويأمل الرئيس الأمريكي في الوقت الراهن أن يتمكن نتنياهو من مساعدته على تجنب التورط في صراع إسرائيلي فلسطيني مع احتمالات ضئيلة للحل في وقت ركز فيه على أولويات السياسة الخارجية الأخرى، بما في ذلك تغير المناخ، ومواجهة الصين، واستعادة الاتفاق النووي الإيراني.
وقال سانام فاكيل نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز تشاتام هاوس للأبحاث ومقره لندن، "أعتقد أن إدارة بايدن فوجئت بالوضع تماما.. لقد استغرق الأمر منهم بضعة أيام لبدء جهود احتواء الموقف". وأخبرت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، جين بساكي، الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية أن بايدن يعرف أن أفضل طريقة لإنهاء أي صراع دولي عادة عدم مناقشته علنًا. وقالت: "في بعض الأحيان يجب أن تكون الدبلوماسية خلف الكواليس وفي هدوء".
وصرف الصراع انتباه أنتوني بلينكن وزير الخارجية الامريكي، عن رحلة كانت مقررة إلى منطقة القطب الشمالي بهدف التركيز على إحدى أهم أولويات بايدن وهي تغير المناخ. وقال مسؤول رفيع المستوى في إدارة بايدن إن بلينكن أمضى معظم رحلته إلى الدنمارك لمناقشة الأزمة عبر الهاتف، وواصل إجراء مكالمات مع القادة الأجانب وزملائه المسؤولين الأمريكيين خلال توقفه في أيسلندا.
لكن وزارة الخارجية لم ترسل الى المنطقة سوى مسؤول متوسط المستوى، وهو هادي عمرو نائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الفلسطينية الإسرائيلية. وأشار بعض المسؤولين السابقين في إدارة أوباما إلى فشل وزير الخارجية الأسبق جون كيري في ضمان وقف إطلاق النار في الصراع الإسرائيلي في غزة عام 2014، والذي احتدم لمدة أسبوعين بعد زيارة كيري للمنطقة في محاولة عقيمة لوقف القتال.
وردا على سؤال حول سبب عدم دعوة بايدن علنا إلى وقف إطلاق النار، وكذلك العشرات من الديمقراطيين في الكونجرس، قال مسؤول رفيع المستوى في الإدارة الأمريكية إن القيام بذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويطيل أمد الصراع. ويتفق بعض المحللين على أن مثل هذه الدعوات قد تؤجج المنافسة بين نتنياهو وحلفائه السياسيين والمجتمع الإسرائيلي.
وقال أورين إنه يعتقد أن موقف بايدن الداعم علنا لإسرائيل، والذي أثار عددا متزايدا من الشكاوى من الديمقراطيين في الكونجرس، مدفوع جزئيا بالمفاوضات غير المباشرة مع إيران التي تهدف إلى استعادة الاتفاق النووي مع طهران، وهي واحدة أخرى من أهم أولويات بايدن. وأضاف: "لن أتفاجأ إذا قالت إدارة بايدن للحكومة الإسرائيلية في أعقاب هذا الصراع: هل ترى كيف دعمنا حقك في الدفاع عن نفسك ضد حماس؟ ثقوا بنا إذا لضمان دفاعكم ونحن نجدد الاتفاق النووي الإيراني".