تعميق الاقتصاد

◄ توسيع القاعدة الاقتصادية يسهم بدور بارز في توفير الوظائف

◄ "عمان 2040" تعتمد على القطاع الخاص النامي والقوي

◄ ضرروة إعلان استراتيجية وطنية لنمو القطاع الخاص

حاتم الطائي

ثمَّة حاجة ماسة ومُلحة الآن لاتخاذ خطوات سريعة وعاجلة لتوسيع القاعدة الاقتصادية وتعميق الأداء الاقتصادي؛ سواء كان ذلك عبر قرارات حكومية واسعة النِّطاق تشمل القطاعات كافةً، أو من خلال مُبادرات وطنية من القطاع الخاص، وأخص بالذِّكر الشركات الكبرى والمجموعات التجارية العملاقة؛ إذ لم تعُد الحلول المُؤقتة تؤتي ثمارها، وحان الأوان لحلولٍ مُستدامةٍ تتماشى مع التطلعات الوطنية المنشودة في الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040".

توسيع دائرة النشاط الاقتصادي، لا يعتمد فقط على الإعفاءات وفتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في المناطق الحُرة والاقتصادية، وهذا مطلوب جدًا وينبغي مُواصلة العمل عليه، لكن أيضًا يتعين اتخاذ خطوات جريئة، أولها تخفيف عبء الشركات الحكومية عبر طرح عددٍ منها للاكتتاب العام، أو تخصيصها بالكامل، وهذا من شأنه أن يُحقق هدفين رئيسيين إلى جانب جملة من الأهداف الأخرى، أولاً: ستتخلص الحكومة من أعباء هذه الشركات، خاصة وأنَّ عدداً منها يُعاني من ديون متراكمة منذ عقود، ومن ثم إعادة هيكلتها بما يتواءم مع التحديات الراهنة والمُستقبلية. ثانياً: من شأن هذه الخطوة أن تحد من حالة التنافس الشديد من هذه الشركات للقطاع الخاص؛ إذ لا يعقل أن تؤسس الحكومة لشركات عِملاقة في العديد من القطاعات الاقتصادية، وعدم ترك المجال أمام تكتلات اقتصادية خاصة لخوض مثل هذه المجالات.

أقولها صراحةً ودون مواربة، الأولوية القصوى لدى الحكومة يجب أن تتمثل في تعميق وتوسيع الاقتصاد عبر بوابة التنويع الاقتصادي، وهذا هو جوهر الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، بحيث يكون دور الحكومة تسهيل كل الإجراءات تحت شعار "دعه يعمل"، فالقطاع الخاص أرهقته البيروقراطية وباتت بيئته مُثقلة بالقوانين والقواعد التنظيمية المُتشابكة التي لا تتسبب سوى في عرقلة عمل الشركات وإعاقتها عن النمو، ومن ثم ضعف قدرة القطاع الخاص على توظيف الباحثين عن عمل، فأنّى للقطاع الخاص أن يُوفر وظائف بينما هو مُكبل الأيدي ومشلول في حركته الاقتصادية؟! أينما ذهب للاستثمار في مجال يجد إما منافسة من شركات حكومية كبرى أو عراقيل إدارية تحبطه وتدفعه للرحيل إلى دولة أخرى لا تطالبه بشيء!

ومن هنا نأمل- عاجلاً غير آجل- إعلان استراتيجية وطنية لنمو القطاع الخاص، بقيادة وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، وهي الجهة المُختصة بذلك، التي ينبغي عليها بذل المزيد من الجهود، إذا ما أردنا نموًا اقتصاديًا حقيقيًا، وليس فقط نموًا اقتصاديًا مرتبطًا بزيادة أسعار النفط ونمو مبيعاتنا من الخام! وعندئذ سيتمكن القطاع الخاص من التوسع وتوفير الوظائف.

والتوجيهات السامية الأخيرة التي أسداها جلالة السُّلطان المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- جاءت استجابة من جلالته لمطالب المواطنين الذين عرضوا مطالبهم خلال الأيام القليلة الماضية، وهذه التوجيهات كانت مُتوقعة على نطاق واسع في المُجتمع، فالعلاقة الوطيدة للغاية والمُباشرة بين القائد والشعب تؤكد دومًا أنَّ جلالته يعمل على اتخاذ كل إجراء من شأنه تحقيق الحياة الكريمة للمواطنين، وأنَّ هذه التوجيهات تأتي لدعم الخطط الحكومية وتسريع وتيرة تنفيذها. لكن على المسؤولين في الوزارات ومؤسسات الدولة التعجيل بتطبيق الخُطط الموضوعة، وعدم إرجاء أيِّ خطوة أو قرار من شأنه تحسين الوضع الراهن، سواء كان ذلك عن طريق قرارات لتبسيط الإجراءات والحد من البيروقراطية الحكومية، أو خفض في أسعار الفائدة لتيسير عملية الإقراض.

ولذلك نقول إنَّ الظروف الحالية تستلزم اتخاذ مثل هذه القرارات التي ينتظرها الجميع؛ حيث إنَّ حل أزمة الباحثين عن عمل بيد القطاع الخاص، وليس من خلال الوظائف الحكومية، فتلك الوظائف لا تستوعب كل المُخرجات التعليمية، فهناك تخصصات يحتاج إليها فعلًا القطاع الخاص، لكنه غير قادر على التوظيف، نتيجة لحالة الركود والكساد التي يُعاني منها. نوجه جزيل الشكر إلى مؤسسات الدولة العامة لدورها المشهود في التخفيف من عبء التوظيف، لكن تحفيز نمو القطاع الخاص هو الذي سيخلق الوظائف. إننا نحتاج إلى تسهيلات حقيقية على أرض الواقع، وليس فقط إعلانات عن مُبادرات لبرامج أو تطبيقات إلكترونية لتسهيل تقديم الأوراق، وتحويلها إلى إجراء إلكتروني، بينما تظل المعوقات كما هي، ولا تتزحزح العراقيل من مكانها.

لا بديل عن المُحفزات الاقتصادية، فهذه كلمة السر في نمو الاقتصادات التي تعتمد بدرجة كبيرة على القطاع الخاص، وأحد هذه المحفزات إطلاق برنامج لضمان القروض لتحسين البيئة الائتمانية وتمكين القطاع الخاص من تنفيذ مشروعات كبرى عبر الاقتراض.

وختامًا.. إنَّ التحديات الماثلة أمامنا وعلى رأسها أزمتا كورونا وتراجع أسعار النفط، تحتم علينا اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لتعميق الأنشطة الاقتصادية، ولا ننسى في هذا السياق ضرورة التوسع- وبأسرع وقت مُمكن- في تطعيم أكبر عدد من أفراد المجتمع باللقاحات المضادة لوباء كورونا، فجزء من تحديات القطاع الخاص- لا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة- الخسائر التي يتكبدونها نتيجة الإغلاقات المتكررة، وتوقف بعض الأنشطة التجارية حاليًا. ولا بديل عن قرارات جريئة تصيب الأهداف المنشودة، وتحررنا من العراقيل التي لم يعد يجدي معها أي علاج مؤقت، وتستلزم تدخلاً جذريًا.