جدوى التجمعات الآن

 

ناصر الحضرمي

الأيام الماضية شهدت خروج المئات من الباحثين عن عمل والمنهية خدماتهم في تجمعات ومظاهرات في بعض ولايات السلطنة، وتجمعوا أمام مُديريات ودوائر العمل هناك، مُطالبين الحكومة بتوفير فرص عمل لهم، والتسريع بمُعالجة أوضاعهم، وتحسين مستوى المعيشة لديهم، وكان البعض منهم على وعي تام بإدارة التجمعات بشكل حضاري وسلمي.

يأتي ذلك في وقت كانت فيه الحكومة تُواصل سعيها الجاد من أجل توفير فرص عمل للباحثين عنه، وتعديل أوضاع المُسرحين؛ حيث أعلنت وزارة العمل عن ما تمَّ إنجازه خلال الربع الأول من خطتها الموضوعة لهذا العام من خلال التقرير المنشور بتاريخ 1 مايو 2021، والذي ذكر أن 6301 فرصة عمل عُرضت على الباحثين عن عمل- من خلال الوزارة- في القطاعين الحكومي والخاص. وقال التقرير: إن القوى العاملة الوطنية التي تمت المحافظة على استقرارهم في وظائفهم- أي لم يتم تسريحهم أو تخفيض أجورهم- بلغ عددهم 21528 عاملا، وغيرها من الإجراءات المختلفة في مجال تنظيم سوق العمل وتنمية الموارد البشرية.

وحرصاً من الحكومة على توفير فرص العمل، وتوفير حياة كريمة للمواطنين أسدى صاحب الجلالة سلطان البلاد المفدى توجيهاته الكريمة للجهات المعنيّة بسرعة تنفيذ المبادرات التشغيليّة بتوفير ما يزيد عن 32 ألف فرصة عمل خلال هذا العام، وتوفير ما مجموعه 2000 فرصة عمل بالقطاع الحكومي بنظام العقود المؤقتة حسب الاحتياجات الفعلية للمؤسسات الحكومية، وتوفير ما مجموعه مليون ساعة للعمل الجزئي في المؤسسات الحكومية بمختلف محافظات السلطنة، واستحداث نظام دعم أجور العُمانيين الداخلين الجُدد لسوق العمل في القطاع الخاص بما مقداره 200 ريال لعدد 15000 فرصة عمل، وذلك لمدة سنتين، وصرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي بما مقداره 202.500 ريال ولمدة 6 أشهر للعاملين لحسابهم الخاص المُؤمن عليهم لدى الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية المتأثرة أعمالهم بسبب الوضع الاقتصادي، ومن في حكمهم والبالغ عددهم قرابة 15000، إضافة إلى صرف إعانة شهرية مقطوعة من صندوق الأمان الوظيفي بما مقداره 202.500 ريال للمنهية خدماتهم من العُمانيين العاملين بدول مجلس التعاون الخليجي وذلك لمدة 6 أشهر.

الباحثون عن العمل واصلوا تجمعاتهم، رغم هذه الإجراءات، في الوقت الذي يجري فيه البعض مقارنات مع أحداث 2011، وما شهده ذلك العام من إصلاحات وتوظيف مُباشر في القطاع الحكومي المدني والعسكري. وهنا يجب التأكيد على أنَّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الحكومة في ضوء تحديات أزمتي كورونا والتدني الحاد لأسعار النفط، واللذين أثرا بشكل كبير على اقتصاد السلطنة وسوق العمل، إلى جانب ارتفاع حجم الدين العام للدولة، كل ذلك لا يُساعد أبداً على معالجة الوضع الراهن على غرار ما حدث في 2011، وأن الحكومة ماضية في تنفيذ خططها الرامية إلى معالجة الأوضاع المالية والاقتصادية من خلال خطة التوازن المالي متوسطة المدى للسلطنة 2021- 2024؛ التي تهدف إلى الوصول بالوضع المالي لمستويات الاستدامة المالية، وذلك من أجل تفادي اتخاذ إجراءات أكثر حدة سيطال أثرها الوضع الاقتصادي والاجتماعي في حال تأخر تطبيق هذه الخطة، والتي تأتي ضمن أولويات رؤية "عُمان 2040". وهناك الكثير من الإجراءات التي ينبغي أن تتم تدريجيا من دون تسرع.

وعليه فإن المسيرات والاعتصامات في هذا الوقت تزيد الوضع تأزمًا وتعقيدًا، ولن تأتي بنتائج إيجابية، ولا يمكن معالجة أزمة بأزمة أشد منها ضررًا على المستوى المالي والاقتصادي للبلد.

إن مشكلة الباحثين عن عمل أرقت الكثير من الحكومات على مستوى العالم، والتي تفاقمت حدتها بسبب جائحة كورونا، فقد أشارت التقارير الصادرة عن منظمة العمل الدولية- والتي وصفت أوضاع سوق العمل بـ"الرهيبة"، وبأنها الأزمة الأكثر حِدَّة بعد الحرب العالمية الثانية- إلى تأثر 81% من إجمالي القوى العاملة في العالم بالتبعات الاقتصادية لجائحة كورونا (كوفيد-19)؛ أي ما يُقارب 2.7 مليار عامل وعاملة حول العالم. والتحذيرات التي أطلقتها منظمة العمل الدولية حول فقدان الملايين من العمال في العالم لوظائفهم تنطبق أيضًا على سوق العمل العُماني، الأمر الذي سيتطلب اتخاذ جهود مضاعفة من الحكومة من أجل بناء اقتصاد مستدام قادر على خلق فرص عمل.

إن عدم وجود رؤية مُتكاملة تشترك فيها جميع مُؤسسات الدولة المعنية بسوق العمل والاقتصاد، سبب رئيس في عدم قدرة وزارة العمل لوحدها على تمكين المواطنين وإصلاح حالهم في سوق العمل. فالأخير مُرتبط بشكل رئيسي بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.

وفي الختام، لا يسعني إلا أن أتوجه إلى المولى عزَّ وجلَّ أن يُكلل جهود المعنيين بملف توفير فرص العمل بالتوفيق والنجاح بقيادة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم- حفظه الله ورعاه- لما فيه خير عُمان وشعبها الأوفياء، كما أتوجه إلى أخواني الباحثين والمسرحين عن عمل بأن يتبعوا الأطر القانونية السلمية في تجمعاتهم وأن يتبعوا وصية الراحل السلطان قابوس بن سعيد- رحمه الله- "مُعتصمين دائمًا تحت قيادته بوحدة الصف، والكلمة، والهدف، والمصير، متجنبين كل أسباب الشقاق والفرقة، والتنديد والتناحر، عاملين بقوله تعالى وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" صدق الله العظيم.

تعليق عبر الفيس بوك