كُرسي الحلاق

 

الطليعة الشحرية (حالوت أليخاندرو)

 

ارتفع صوت الجهاز: "لقد اجتزت اختبار لجنة يقولون بنجاح، انعطف إلى اليمين"، عاد الصوت مرة أخرى: "عفوا، لم تجتز اختبار لجنة يرون الرجاء أعد المحاولة".

حدقت النَّاقة شهلاء بانبهار وانكسار بزميلها الذي أقْصي للتو، ولم يجتز الاختبار وقالت مواسية: "لا عليك حاول مرة أخرى، بعد عامين". استلمت شهلاء قائمتين طبع على الأولى "أعمل وأنجز" والثاني "أصمت ووفر". اجتازت شهلاء الأروقة ثم وقفت في منتصف الرواق، وانبثقت من الجدران ألف عين للمراقبة ومن ثم تلاشت، وُضع حاجزٌ كُتِبَ عليه "استعد لقفز الحواجز للوصول إلى لجنة ينظرون".

تفحصت العين رقم 313 بتمعن في كل صفوف المُنتظرين، ثم ارتفع صوتٌ يُنادي "شهلاء بنت عرجاء، تمَّ خفض تقييمك السنوي والسبب، عدم وجود لوبي يدعمك، الرجاء انعطف يسارًا".

أحكمت الناقة ربط المنديل وقررت التخلي عن المحاولة في الحصول على مُسمى وظيفي جدير وذلك؛ لأنَّ أحمقًا استولي على "كرسي الحلاق"، والذي حَلُم به دهرًا فحصل عليه مؤخرًا، وكذلك أخذ مُسمى مرموقاً، فبسط سلطته، وشَرَعَ بقص أجنحةِ كل من سولت له نفسه أن يحلم، وأن ينبت له ريشٌ غفلة وهو غير مرضيٌ عنه، من قِبل كل من (يقولون ويرون واللوبيات)، وغفل عن حقيقة أزلية وهي أن (كرسي الحلاق) تجلس عليه ساعة وتطير بعد ساعة. 

لملمت الناقة شهلاء شتات المهارة والحذاقة، وبعضًا من مخلفات الدراسة والتي طويت في ورقة كُتِبَ عليها (السيرة الذاتية) ألقي بها منذ زمن في درج قانون العمل، والذي يخضع للجنة يقولون واللوبي المأمول.

عُلق على حائط "الهمة والنشاط" ثلاثة مسامير وضع على كل مُسمار شيء منك مركون، علق عقلك ولا تنسي إنجازاتك ولا تغفل عن اجتهادك، والأهم إخفاء البراعة، فقد تتهم بمحاولة التمني بالحصول على (كرسي الحلاق).

وإن حاولت السباحة عكس المسار الذي خطط له اللوبي، فتأكد أنَّك ستجرب السقوط الحر، وستدرك معنى محاولة التغير. إنَّ إِبدَاء الرأي الصريح، وعصارة لب أفكارك قد يُعلق كشارةٍ إنجاز لغيرك. وأنت عليك أن تصمت؛ لأنك لا تمتلك الحنكة الكافية لإدارة دفة الأمور الإدارية، لذا لم تنجح في كشف هيئة (لجنة يقولون) وداعميها من اللوبي المصون، فأشد بإنجازات (لجنة يقولون) لتنال الرضا والقبول. طبعاً لا تنسى تلميع الجدران ونفض الغبار عن الأعين الخفية في كل طابق، وتأكد أن التملق هو أقصر طريقٍ للتسلق.

 وبعد كل هذه الإشادة وبدون إجادة، هزت الناقة شهلاء رأسها تنفض غبار اللجان واللوبي، وقررت الهجرة إلى سيبيريا أرض الأحلام الواعدة المتجمدة. صرخت شهلاءٌ بقهر" سحقًا لكم جميعًا، وأنا بنت عرجاء والله لاهج من هذا البلد"، سحبت حقائبها، واتجهت إلى المطار. أوقف موظفٌ مُهندم الناقة المتمردة والتي كانت ترتدي نظارة شمسية في يوم صحو، وقبعة كبيرة من القش تُغطي رأسها وتدلت أقراط ذهبية من أُذنيها.

سألها الموظف ببشاشة: "على وين العزم؟".

أجابت بظرافة مُفتعلة: "سيبيريا- والرب حافظ- أحتاج إلى جرعات من الإبداع والذوق واللطافة".

المُوظف باستغراب: "بردهم قارص وصقيعهم مُميت".

شهلاء بكل عزمٍ وإرادة: "البرودة جمدت العقول هنا".

الموظف ببلاهة: "عقدتِ العزم لا مناص".

الناقة بيقين: "نعم، بالتأكيد".

الموظف مستفسرًا: "ممكن أعرف السبب؟".

ارتدت شهلاء قفازًا من المخمل وقالت بقرف: 1984!