الاستماع إلى المواطن

 

إبراهيم بن سالم الهادي

 

لا شك أنَّ الحفاظ على الوطن ومكتسباته مسؤولية الجميع بدءًا من المُواطن ثمَّ المسؤول وانتهاءً بمؤسسات الدولة جميعها، وفي المُقابل فإنَّ احتواء متطلبات المواطن واجبة على أجهزة الدولة والحكومة، وعليها أن تسعى لتوفير العيش الكريم له.

وحتى نكون أكثر واقعية فإنَّ المواطن الذي ينعم بالعيش الكريم لا يفكر يوماً في الخروج إلى الشارع، لكن عندما يصل المُواطن إلى حد كبير من المُعاناة؛ كالتسريح من العمل وفرض الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والمياه، فضلاً عن قرارات الإغلاقات ومنع الحركة بين الحين والآخر على مدار عام ونصف العام، إلى جانب هموم منصات التعليم الضاغطة والقوانين الجديدة التي تحرمه من آماله وتطلعاته الوظيفية وغير الوظيفية، فإنِّه إذن يجد نفسه تلقائيًا يخرج إلى الشارع لطلب الغوث؛ لأنَّ دخله الشهري من الأصل يكاد يسد رمق عيشه وأسرته ولا يقبل مزيداً من النزيف. ولغة المُواجهة لا تُحقق المأمول إلى حد كبير، بينما تنجح لغة الاحتواء وتلبية المطالب؛ لذا فإنَّ الإصغاء لمتطلبات المواطن وتلبيتها أضحت ضرورة قصوى، فشعب عُمان شعب حضارة، وعلينا أن نحترمه ونقدر صبره ورباطة جأشه، وعمان هي وطن الجميع وكل من يعيش على ترابها له حق منها وعليها.

ومن هنا فإنَّ مقالي هذا هو نصيحة مُحبٍ وغيور على هذا الوطن وترابه؛ لأنَّ ما يحدث في الوطن ينعكس علينا جميعاً سواء بالخير أو اللامحمود، والمسؤول الذي يجلس في مكتبه على كرسي وثير ويضع عصيره الطازج على طاولة ذهبية ثم يصيغ القرارات التي لا يُراعي فيها آمال المواطن وطموحاته ومستقبل الوطن، ثم ينشر قوانينه الجديدة الصادمة، عليه أن يعلم أنَّ المواطن الذي يتلقى أخباره واقفاً تحت أشعة الشمس الحارقة يكدح من أجل توفير لقمة العيش له وأسرته، ومن الطبيعي أن وقع أخبار ما يصرح به ذلك المسؤول على مسامع المواطن قد يكون غير مرحب به مهما كانت الأسباب؛ لأن المواطن- وبكل بساطة- يريد أن يسمع خبرًا جيدًا يخفف عليه صعوبة الحياة وله الحق في أن يحيا كريمًا عفيفًا.

الجهات المعنية مطالبة بأن تتدارك الأمور قبل أن تأخذ مسارًا آخر، وتصبح ذات كلفة عالية، وأن تنظر للأمور بعين واسعة وحكمة تضم الجوانب والآفاق، لا أن تعتمد على رؤى وأفكار مجموعة تعيش بين جدران ذهبية لا ترى البعيد ولا تحس بالقريب، وجلّ ما تعرفه هو الفلسفة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. وعلى مؤسسات الدولة أن تتلمس نبض الشارع بلا تهوين أو تهويل، أن تفكر باستراتيجيات حقيقية وخطط جديدة مدروسة لضمان توفير العيش الكريم للمواطنين، وعليها الابتعاد عن الخطط التقليدية التي باء الكثير منها بالفشل، وذلك من خلال إشراك المجتمع وعقوله واستثمار طاقاته، وأن تنتهي المحسوبية والمجاملات وغيرها من السلبيات الإدارية التي تعرقل مسيرة تقدمنا.

العالم أجمع مرت عليه أزمة كورونا، لكن دولاً عديدة حافظت على اقتصادها قدر المستطاع، بحيث لم يضطر المواطن للخروج إلى الشارع؛ لأن حكومات الدول وقفت مع مواطنيها بطرق مختلفة؛ سواء بالعطاء المباشر أو التسهيلات المتنوعة، ولم تترك المواطن يتحمل المسؤولية في جو مشحون بحرارة الطقس والنفس!

وحجة الديون الآن لا يمكن أن تكون شماعة نُعلق عليها مشكلاتنا؛ لأن معظم دول العالم مديونة والديون طبيعية لتعمير الدول، ولا يجوز تحميلها الشعب وحده، وإنما الخطط التي لم تحقق النجاح المأمول، وعمان تزخر بخير وفير إذا ما فكرنا وعملنا باستراتيجيات نستقطب من خلالها الاستثمارات من الداخل والخارج، والاستفادة من ثرواتنا المتعددة وطاقات الشباب الهائلة فإننا سنصل إلى غايات تفوق المتوقع.

لكن لن يتأتى ذلك بإرضاء فلان وتقريب وتكريم علان، وإنما بالتشمير عن سواعد البناء وبالصدق والإخلاص في العمل، خاصة إذا ما كان المواطن صادقًا مع نفسه، وأن يضع المسؤول مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، لا أن يُفكر في نفسه ومصالحه، أو أن يكتسيه الحسد من رأسه إلى أخمص قدميه.. فلنتق الله في أنفسنا ووطننا.