الأسرة والقوة الناعمة

 

جابر حسين العُماني

jaber.alomani14@gmail.com

 

لا تعتمد المُواجهة الغربية المسعورة في حربها على الإسلام ومقدساته على القوة الصلبة كقوة السلاح والصاروخ والمدفع والدبابة فحسب، بل تعتمد على استخدامها "القوة الناعمة".

ووفقاً لتعريف جوزيف ناي فإنَّ "القوة الناعمة" هي بمثابة القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، ولا عن طريق دفع الرشاوي وتقديم الأموال لشراء التأييد والموالاة، كما كان يجري في الاستراتيجيات التقليدية الأمريكية، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد.

علينا أن نعلم أن "القوة الناعمة" المُسلطة علينا ليست بقوة ترهيب أو ترغيب بل هي قوة إقناع، بمعنى: أقنعك بما أُريده أنا لا ما تريده أنت، وهذا ما تطبقه اليوم القوى الغربية في حربها على ديننا ومقدساتنا، فمن خلال القوة الناعمة لا يحتاجون المواجهة المباشرة مع الشعوب، بل يستطيعون الوصول إلى الشعوب عن بُعد، وبدون أن يعرفهم أحد أنهم أعداء لدين الله ورسوله.

ومن الطبيعي أن القوة الناعمة التي يعتمدون عليها لا يركزون فيها على الأجساد أو الممتلكات وغيرها من الماديات، فهم يركزون من خلالها فقط على العقول والأذهان لتحويلها إلى لقمة سائغة بيد أعداء الله ورسوله، ثم يوجهونها كما يُريدون ويشاؤون، ومن هنا ركز الغرب في "قوته الناعمة" على: السينما والمسرح، والتطبيقات كـ : (الواتساب) و (الفيس بك) و (التوك توك) وغيرها من برامج التواصل الاجتماعي التي من خلالها استطاعوا تضليل العقل العربي والإسلامي.

اليوم الغرب لا يهمه صناعة الطائرات الحربية، والخرسانات الصاروخية كقوة صلبة تكاليفها عالية للدفاع عن نفسه، بل هو بحاجة إلى قليل من "القوة الناعمة" التي يستخدمها لإغواء الشعوب وإركاعها من خلال المسرح والتلفزيون والسينما والفن والإعلام؛ لغسل العقول وتحريك الضمائر نحو حياة اجتماعية فاسدة، لذا استطاع الغرب تحريك ضمائر أبنائنا عن طريق خلق شخصيات وهمية وبثها عبر الإعلام، أمثال شخصية بيكاتشو وسلاحف النينجا وبيكومن وغيرها.

يقول جوزيف ناي: "لماذا ننفق على الطائرات والصواريخ والدبابات والطاقة النووية كل هذه المبالغ في حين أننا نستطيع أن نُركع الشعوب ونرغمهم بسلاحف النينجا وبيكومن".

هذا ما عمل عليه الغرب، ولا زال يعمل به؛ بهدف تغير ثقافتنا الإسلامية وأصالتنا العربية، وذلك عن طريق "القوة الناعمة"، وأدواتها الحديثة مثل: تضليل الناس من خلال اتباع المشاهير الذين تأثروا بالثقافة الغربية، فتجد من يتابعهم ابتعد شيئًا فشيئًا عن ثقافته الدينية وأصالته الاجتماعية.

لذا نُلاحظ اليوم هناك من نزعت حجابها، وقصرت ملابسها وضيقتها، متأثرة بالمشهورة الفلانية، وهناك من جعلت لها صديقًا تتواصل معه متى ما أحبت، متأثرة بالمسلسل الفلاني، وهناك من زنا بقريبته متأثرًا بالثقافة الغربية الفاسدة، التي يكثر من متابعتها، وهناك أطفال أصبحوا يرقصون ويغنون متأثرين بحلقات ومسلسلات وبرامج مخصصة لبرمجة عقل الطفل وإفساده، بحيث صار الطفل لا يستغني عن الأجهزة الذكية، وذلك من خلال الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي والتأثر بموادها السامة.

اليوم لا بُد أن نسأل أنفسنا، كيف نستطيع منع شبابنا وأطفالنا وأُسرنا من مساوئ "القوة الناعمة" المسلطة علينا والتي جاءت لتدمير ديننا وعاداتنا وتقاليدنا وأصالتنا ومجتمعنا؟

هناك عدة من العلاجات التي تُساعدنا في الحفاظ على ثقافتنا الإسلامية وأصالتنا العربية، أذكر بعضاً منها:

  1. علاج الأمية الرقمية في الأسرة والمجتمع؛ فالأمية في زماننا الحاضر ليست محصورة في الكتابة والقراءة كما يعتقد البعض، وإنما الأمية هي الأمية الرقمية، ذلك أن العالم بأسره اليوم يسعى لتحويل وتغيير كل شيء إلى عالم رقمي، لذا لابُد لنا أن نتعلم ونعلم أولادنا كيف نتعامل مع البرامج الحديثة المختلفة، وكيف نستخدمها استخدامًا سليمًا يتوافق مع أخلاقنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا.

واليوم هناك الكثير من الأطفال بارعون في استخدام الأجهزة الذكية، لذا من الواجب متابعتهم ومراقبتهم وتوجيههم، حتى لا يجرهم ذلك الاستخدام إلى مزيد من الويلات والمصائب والمحن، فمن الواجب على الآباء والمربين معرفة تلك البرامج حتى يستطيعون ممارسة دورهم الرقابي اتجاه أبنائهم.

2- التنسيق لتنظيم دورات توعوية لأفراد المجتمع حول أهمية استخدام الأجهزة الذكية وبرامج التواصل الاجتماعي، وذلك بالاستخدام السليم الذي يعود بالخير والنفع على الفرد والمجتمع في مواجهة القوة الغربية الناعمة.

3- توجيه الأسرة إلى ما ينفعها ويصلحها، وتعريفها على الإعلام الصادق والنزيه، كالإعلام المرئي والمقروء والمسموع، الذي لا يعرض لمتابعيه إلا ما يُفيدهم ويزيد من وعيهم وثقافتهم وإدراكهم.

4- استغلال منابر المساجد والجامعات والكليات في توعية المجتمع بمساوئ القوة الغربية الناعمة، وما تبثه من سموم، الهدف منها؛ تغير الثقافة الدينية والأصالة العربية والإسلامية، وذلك من خلال تفعيل وبث المحاضرات والأفلام والمسلسلات الواعية التي من الممكن استخدامها في توعية المجتمع، ونقله من ظلمات الجهل إلى نور العلم والفهم.

5- تعريف الأسرة والمجتمع بأهمية التعلق بالقدوة الحسنة كالأنبياء والرسل والصالحين والأخيار من أبناء المجتمع، قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ}.

ختامًا.. علينا أن نعلم أننا نعيش في زمان اختلف تمامًا عن أيام آبائنا وأجدادنا، فنحن اليوم نواكب زمانا تعيش فيه الشعوب بأسرها في قرية واحدة، باختلاف عاداتها وثقافاتها، فالأعداء يتربصون بنا في كل وقت، لذا لابد من التسلح بسلاح الوعي والعلم، واحترام المبادئ والقيم الدينية والاجتماعية والإنسانية، حتى نتمكن من محاربة الفساد الذي يأتينا من هنا وهناك تحت شعار "القوة الناعمة" التي لا ترحم صغيرًا ولا توقر كبيرًا.

تعليق عبر الفيس بوك