ناصر بن سلطان العموري
الغالبية العظمى من المُجتمع شاهدت وقرأت عبر مواقع التَّواصل الاجتماعي- والتي باتت الآن تقرب البعيد وتوضح القريب كأوضح ما يكون- التجمعات السلمية التي قام بها عددٌ من الشباب تحت لهيب الشمس الحارقة، مُطالبين بحقوقهم في التوظيف، ومستنكرين ما تقوم به بعض الشركات من تسريح لعددٍ كبير من الشباب دون خوف أو رادع.
في مقالي الأسبوع الماضي، تطرقتُ لجزئية مُشابهة لما حدث، فما الذي يستدعي من المواطنين- ومنهم الشباب بالطبع- الوقوف أمام قصر جلالة السُّلطان في مشهد أعتقدُ أنه ليس حضاريًا، فنحن في دولة مُؤسسات وقانون، وكان من المفترض أن الكل يقوم بدوره، لكنها الحاجة التي أجبرتهم على المكوث؛ بل وتكرر الأمر في ولاية صحار مرة أخرى، وربما سوف يتكرر في أماكن أخرى من السلطنة، إن لم يتم معالجة الموضوع برمته واجْتِثاثه من جذوره، لا باستعمال القوة والحزم مع المُطالبين بحقوقهم الوطنية؛ بل من خلال الاستماع والإصغاء لهم، وتدوين مطالبتهم التي نأمل ألا يكون مصيرها الأدراج، والأهم من ذلك أن يستشعر كل مواطن أنَّ أقوال المسؤولين ستتحول إلى أفعال على أرض الواقع، فقد كلَّ المواطن ومَلَّ من تصريح هذا المسؤول وذاك، دون حراك فعلي وواقعي ملموس؛ فالوضع أصبح مُبهمًا، والباحثون عن عمل في تكدس عاماً تلو الآخر، باستثناء عدد ضئيل حالفهم الحظ وحصلوا على وظائف، فكم رأينا وسمعنا عن خريجين جامعيين مارسوا أعمالًا بعيدة عن تخصصهم برواتب مُتدنية للغاية لا تتناسب وغلاء هذا العصر.. لكنها الحاجة!
الغريب في الأمر نشر إحصائيات خلال الأيام الماضية تفيد بتوظيف 38 ألف وافد من حملة المؤهل الجامعي في السلطنة خلال عام واحد! إذن ما مصير أبنائنا الخريجين ممن ينتظرون فرصة توظيف؟! لعلها تكون لهم حبل نجاة.
لا يُمكن أن نُنكر أنَّ هناك توظيفا مستمرا في القطاعات العسكرية، لكن في المُقابل بعض القطاعات وعلى رأسها القطاع الخاص ما زال يحتضن الوافد احتضانًا! فأين هي خُطط إحلال العماني محل الوافد، التي يتحدَّث عنها المسؤولون في وزارة العمل دائمًا، وناقشتها المؤتمرات وتدارستها الندوات منذ سنين عديدة، لكن الواقع يشير إلى أن ما يحدث ليس سوى "جعجعة بلا طحين"، كما قال وليام شكسبير! ويا حبذا لو يصدر توضيح من قبل وزارة العمل حول التخصصات التي سيتم تعيينها والأعداد المتوقع تعيينها من خلال خطة الإحلال، وليس بذكر الأرقام المتوقعة للتعيين دون سند يُعزز حقيقة التعيينات.
في اعتقادي ثمَّة حلقة مفقودة بين آلية إصدار القرارات لدى أغلب الجهات الحكومية وبين تطبيقها على أرض الواقع؛ فلا يجب أن نهدئ الرأي العام من خلال قرارات ستصدر مستقبلاً، وتكون لمصلحة الوطن والمواطن، بينما في الواقع يواجه تطبيق القرار عراقيل لا حصر لها، وهنا يكمن الخلل الذي يجب إيجاد الحلول الناجعة له.
بعد تجمع المواطنين، أصدرت وزارة العمل بيانًا ذكرت في إحدى فقراته "أنَّ مصلحة المواطنين وخدمتهم تمثل أهمية وغاية نبيلة وتعمل في ذلك مع القطاعات الأخرى وفق إمكانياتها المتاحة"، وكنت أتمنى إضافة كلمة "أقصى" إلى "إمكانياتها المتاحة"؛ فالمواطن وفق الأوضاع الراهنة- التي يعلمها الجميع- يستحق من الجهات الحكومية بذل أقصى الجهود، فهو لم ولن يقصّر من جهته للوطن، ومن هنا ينتظر ويترقب المثل؛ بل وأفضل منه، ولذا ينبغي التعامل مع كرة الثلج- وأقصدُ الباحثين عن عمل والخريجين والمُسرَّحين- قبل أن تكبُر، ويكون من الصعوبة مُعالجتها وقتذاك.
وما خروج الشباب في هذه التجمعات وما صاحبته من أحداث، إلا لتوجيه رسالة للمعنين والقائمين على أمورنا، مفادها أن قطار التعمين والإحلال خرج عن مساره، ويحتاج لتعديل المسار؛ لكي يصل لوجهته ويشعر الجميع بالأمان.
إنني أتمنى جل التمني أن تكون مثل هذه التجمعات رسائل للجهات الحكومية لتعلم الدروس المستفادة، خاصة بالنسبة للجهات الخدمية، التي تتعامل مع المواطن بشكل مُباشر، فعليهم أن يضعوا المواطن بمقدمة سلّم أولوياتهم، وأن يكون الهدف الأسمى هو رضاه وراحته، وأن تسخر جميع الإمكانيات لتحقيق ذلك.
الشباب عماد الأمة ومستقبلها الزاهر وركيزة تقدمها، وأختم مقالي بأحد خطابات باني نهضة عُمان الحديثة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- في بدايات النهضة المباركة أثناء الاحتفال بالعيد الوطني المجيد لعام 1976، حيث شدَّد على أهمية راحة الشعب وإعطاء الأولوية للشباب، قائلاً: "إننا سنعطي الأولوية لتحسين مستوى شعبنا، وإننا أصدرنا الأوامر لوزرائنا بأن يولوا شبابنا عناية خاصة وأن يتيحوا لهم كافة الفرص لكي يؤدوا دورهم على الوجه المرضي في مستقبل بلادهم".