ضبط النفس الفلسطينية؟!

 

عوض المغني

 

بعد أيام من مقتل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي الراحل إسحاق رابين في شتاء 1995، أخبرنا أستاذنا الفلسطيني الجنسية بأسلوب نستشف فيه ردة فعله، بأنه اليوم مراسم دفن رابين؟

ردَّ بشيء من رضا وتشفٍ أنه اليوم سيقابل رب العالمين.. هذا حال إنسان فلسطيني عاش طويلاً في السلطنة حتى قبل اغتيال رابين، فلسطيني هُجِّرَ في ستينيات القرن الماضي ربما وظل ملاحقاً في سبعينيات ذلك القرن، وربما انتقل من مخيم إلى آخر حتى استقر به الحال في الثمانينيات هنا في عُمان، كان هذا شعوره بأنَّ مسؤولا صهيونيا رحل، فما بالنا بمن يذوق صنوف العذاب وامتهان الكرامة والعنصرية يوميًا في المعابر والشوارع والأزقة، ومن يُحاصر في القطاع ويرى الموت آلاف المرات، فكيف ينظر إليهم؟!

هذا الشعور برغبة التشفي، ومطلب الثأر لدى الفلسطيني لماذا لم يهدأ منذ النكبة الأولى عام 1948؟!

استذكرُ الموقف ويلح عليَّ السؤال كثيرًا: هل ينسى الفلسطيني أرضه وبيته وفلذات كبده وأحبابه من تفننت آلة القتل الصهيونية في إبادتهم على مدى 73 عاما؟!

يجيء هذا السؤال على خلفية خبر مزحة للرئيس الأمريكي جو بايدن حول سؤال عام عن فلسطين، فكانت إجابته للصحفي قف أمامي لأصدمك بالسيارة!! في تلميح إلى عملية دهس نفذها فلسطيني شجاع ضد مجموعة جنود ورجال أمن صهاينة عند مدخل حي الشيخ جرّاح.

هل هي إدانة غير مُباشرة على طريقة تصدي الفلسطيني المقهور والمسلوب من كل شيء في هذه الحياة لجنود مدججين بأحدث الأسلحة والأنظمة الأمنية؟ كم على الفلسطيني أن يتحمل من برود الأنظمة الغربية وتجاهلها ومحاولته الجاهدة في تعديل نظرتهم للقيم الإنسانية وتصحيحها؟ كم عليه أن يلجأ إلى المنظمات الدولية لتصدر له بيان إدانة لجرائم تنقل على الهواء مباشرة؟ ومع ذلك ما زالت تلك الأنظمة المتحكمة في مجلس الأمن تعترض على قرارات الإدانة، وليس التدخل المباشر لنصرة الطرف الضعيف، وعلى أقل تقدير إجبار آلة القتل على وقف استهداف الأبرياء! عجزت قرارات أممية سابقة أيام ثنائية القطبين الدولية بين الغرب والاتحاد السوفيتي مثل قرار 242 وغيرها من القرارات.

إذًا سيادة الرئيس الأمريكي ماذا تقترح على الشعب الأعزل؟ الاكتفاء بمشاهدة العدوان عليه وتصفيته من الوجود والسكوت بقلب رضيٍّ مثلاً؟! أم طريقة دهس الجنود والقوى الغاشمة بنظركم أكثر دموية من الصواريخ والقذائف الفسفورية المحرمة التي تنزل على رؤوس المحاصرين في غزة، التي أصبحت بالفعل مذبحًا كبيرًا للدم الفلسطيني؟!

يا سيادة الرئيس إن أي فلسطيني شجاع يُنفذ عملية مقاومة فهو في عداد الشهداء، وقد لا يعود منها إلى أهله وكل ذلك في سبيل الوطن والموت بكرامة، في الوقت الذي عزت فيه الحياة بكرامة بفعل الاحتلال. سيادة الرئيس.. تربِيتَكَ على كتف عضوة مجلس النواب الفلسطينية الأصل رشيدة طليب وأن تدعو بالسلامة لجدتها في الضفة الغربية، تأكيدٌ منك على أنَّ الآلة الصهيونية لا تبقي ولا تذر!

وعليه.. هل لكم سيادتكم أن تمدوا الفلسطينيين ببعض القطع العادية من السلاح الأمريكي ليدافعوا بها عن النفس والقتل الرحيم حسب التعريف الغربي للحرب، فالحجارة والدهس والعمليات الفدائية أكثر بشاعة وإيلامًا من قصف طائرات إف-35 وقذائف المدفعية التي تسقط على المنازل والأبراج السكنية وهدمها على رؤوس ساكنيها؟!

هل تعلمون سيادتكم أن حصيلة تلك الغارات العدوانية تزيد عن 250 شهيدًا معظمهم أطفال ونساء، إلى جانب أكثر من 5000 جريح في بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ سواء في القدس الشرقية أو رفح أو مدن الخط الأخضر مدفوعة بجرائم الكراهية والعنصرية.

ما المطلوب إذًا من الفلسطيني؟!

هذا الإنسان المخنوق من قبل كيان فصل عنصري، توقفه المعابر ونقاط الأمن في أرضه، وتفصله عن أحبابه ودياره البحار والقفار، بعدما هُجَّر قسرًا في مراحل سابقة، وإن لم يكن في الخارج جاءت جدران الفصل العالية لتحرمه من أرضه وبقية أهله في الشطر الثاني من الجدار!

كل تلك الظروف الخانقة وما زال مطلوباً من الفلسطيني ضبط النفس!!

تعليق عبر الفيس بوك