سامي النعّاش.. القصة التي لم تروَ

أحمد السلماني

 

خبرٌ نزل كالصَّاعقة على اليمنيين من جنوبه إلى شماله مُعلناً الرحيل المُفاجئ لمدرب المنتخب اليمني المعروف سامي النعّاش (عرّاب التدريب اليمني)، الشخصية التي لطالما وحدّت اليمنيين تحت راية المُنتخب اليمني؛ إذ إنَّ تشكيلة "اليماني" استقطبت نجومه من كافة محافظاته، وعندما يلعب فإنَّ قلوب وأعين اليمنيين حينها بنبض واحد وترى بعين واحدة، الحرب الضروس باليمن لم تثنِ اتحاد اللعبة والنعّاش واللاعبين عن مُحاولاتهم الجادة في بث رسائل الوحدة لعل إحداها تُعيد الفرقاء إلى جادة الصواب والوحدة وبناء المستقبل لليمن السعيد في زمنه التعيس.

أوَّل عهدي بمعرفته كان في "خليجي 19" بالسلطنة، عندما حلَّ بديلاً للمصري مُحسن صالح، ولا زلت أتذكر كيف انتعش الأحمر اليماني أمام قطر بفضل النعّاش وكاد أن يفعلها لولا التمديد المبالغ فيه بالوقت الإضافي من قبل حكم اللقاء والذي مهّد لفوز قطري غير مُستحق، كنت قريباً منهم، فقد أوكلت لي الجريدة حينها مُتابعة المنتخب اليمني، كانوا في غاية الغضب والانزعاج إلا سامي النعّاش، تحدَّث بهدوء عجيب وقال " لم نكن نستحق الخسارة، ولكن علينا تقبّل علات كرة القدم" وخرج.

استعنت بأحد الأصدقاء القريبين من هذه الشخصية الفريدة لأستقي معلومات هي بمثابة توثيق تاريخي لشخصية رياضية اتفق الفرقاء اليمنيون على حبها، وأوردها كما جاءت وبتصرف، سامي حسن الهادي (النعاش) من مواليد 2 مايو 1957 بمدينة عدن "كريتر"، موظف في وزارة الشباب، بزغ نجمه كلاعب في صفوف الأحرار في العام 1973، وحقق معه عدداً من الإنجازات رفقة نجوم كبار في تلك الفترة مع زملائه أبوبكر الماس وخالد عبدالله قاسم ومحمد الخلاقي ومحمد صالح الحريبي وأنور السمان وإبراهيم عبدالرحمن وعدنان سبوع وغيرهم، ليأتي بعدها فترة الدمج 1975، تحت مسمى نادي التلال، خاض مع الفريق عدة مواسم كروية وأصبح من أبرز نجومه الذين صنعوا مجد القلعة الحمراء المطرزة بالبطولات والإنجازات، وتوقف عن اللعب في العام 1989م.

وفاز الكابتن سامي النعاش مع فريق التلال في الفترة الذهبية بالعديد من الألقاب والإنجازات، وأهمها التتويج ببطولة الدوري 5 مرات وكانت في موسم 1976 -1977 وموسم 1979 -1980  وموسم 1981 -1982 وموسم 1982 -1983 وموسم 1986 -1987، كما حقق مع نادي التلال كأس الجمهورية موسم 1977 -1978 وموسم 1981 -1982 وموسم 1987 -1988، والعديد من البطولات مثل بطولة المؤتمر والإنارة والاتحاد وكأس اليمن الشمالي والجنوبي و كأس شهداء 13 يناير .

مشوار الكابتن سامي النعاش التدريبي كان حافلاً بالإنجازات واستطاع أن ينحت اسمه كواحد من أفضل المدربين المحليين، حيث بدأ مشواره کمدرب مطلع العام 2000 بتوليه تدريب فريق التلال العدني في ذات الموسم، لينتقل بعدها لتدريب فريق الاتحاد من مدينة أب في موسم 2003 ليقدم مع الفريق في ذلك الموسم أداءً ومستوى مميزاً، قبل أن يعود مرة أخرى لنادي التلال العدني ويُحقق معه بطولة الدوري اليمني العام موسم 2005، بعد انقطاع دام 15 عاماً وتحديداً منذ فوزه بأول دوري تصنيفي في العام 1990 .

مسيرة الكابتن سامي النعّاش التدريبية تواصلت مع الفرق اليمنية حيث انتقل بعدها لتدريب فريق الهلال الساحلي (الحُديدة)، واحرز معه بطولتي الدوري العام موسمي 2007/ 2008 و2008/ 2009، كما حقق مع الفريق كأس رئيس الجمهورية موسم 2008، وكانت له تجربة قصيرة مع فريق الأهلي بتعز استعداداً للمشاركة في بطولة كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم بعد تتويجه بطلاً للنسخة الـ14 من كأس رئيس الجمهورية عام 2012. كما قاد فريقي التلال والهلال في مشاركاتهما ببطولة كأس الاتحاد الآسيوي وكأس الأندية العربية للأبطال .

الكابتن سامي النعاش تدرج في تدريب المنتخبات الوطنية بكل فئاتها السنية، بدأ مشواره الدولي كمدرب مع منتخبنا الوطني للناشئين في تصفيات آسيا التي أقيمت بالكويت عام 2007 والتأهل للنهائيات، وكما درب منتخبنا الوطني للشباب والمنتخب الأولمبي في العام 2018 .

ودرب المنتخب الوطني الأول في فترات عدة الأولى كانت في عام 2011 والثانية 2014 وقاد حينها الفريق في التصفيات المؤهلة لكأس آسيا وكأس العرب، ليعود في المرة الثالثة في العام 2019 وقيادته للمنتخب في تصفيات آسيا المزدوجة المؤهلة إلى كأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023 وقبل ذلك في كأس الخليج 24، وكان يستعد لخوض مباراة الملحق أمام موريتانيا المؤهلة لكأس العرب في قطر 2021، قبل أن يختطفه فيروس كورونا ويغيبه الموت .

رحل سامي النعاش وفي قلبه غصة من حرب أتت على الأخضر واليابس وأجهضت الرياضة اليمنية ووأدت أحلام وطموحات الكثير من الشباب الرياضي اليمني الذي ومن واقع تجارب نشهد لهم بالقتالية في الميادين الرياضية ورغبة مبتورة في التربع على منصات التتويج وأدتها الحرب في مهدها، النعاش مات جسدا وبقي روحاً في قلب كل يمني ورياضي عربي ونكتبها ونبثها ألما وأملاً ونقول: "هل سيوحد رحيل النعاش الفرقاء كما وحّدهم حيا؟".