عبد الله العليان
تُمثِّل مدينة القدس والمسجد الأقصى بالأخص، رمزية دينية وقدسية كبيرة، ليس للفلسطينيين وحدهم؛ بل وكذلك كل المُسلمين في العالم. فمنذ عقود مضت وإسرائيل تتحرك بوسائل مختلفة وأساليب عديدة، لتهويد وتدمير العديد من معالم المدينة المقدسة، أو ما تسميه بعض الجماعات العنصرية والمتطرفة من الإسرائيليين، البحث عن الهيكل المزعوم في بعض المناطق القريبة من المسجد، وهذه مجرد وسائل للتهويد وليس العكس.
هناك الكثير من الدلائل والقرائن متعددة الوسائل والطرق التي قامت بها إسرائيل في العقدين الماضيين، وكذلك قبلهما بعقود سابقة؛ حيث قامت بتهديم وتدمير عشرات المنازل في القدس، بحجج كثيرة منها عدم وجود تراخيص لتلك المنازل، وأقامت على أثرها العديد من المباني لأغراض مختلفة، ومع ذلك لم يتم التعويض عن هذه الأراضي المملوكة لبعض المواطنين الفلسطينيين.. ناهيك عن الإجراءات الإسرائيلية التي قامت بها منذ احتلال القدس حتى الآن من إقامة مئات المستوطنات، وتدمير أملاكا لأوقاف إسلامية وتجريدها من طابعها الديني، وكل هذه الإجراءات تُخالف القوانين الدولية وتنتهكها بصورة صارخة، خاصة بعد احتلال القدس الشرقية في حرب عام 1967، ومع ذلك فإن المجتمع الدولي المتمثل بأغلبية الدول الغربية، لم يتحرك بجدية لوقف إسرائيل عن انتهاكاتها غير القانونية في الأراضي المحتلة التي صدر بها القرار الدولي الشهير بعد يونيو 1967 بعد وقف إطلاق النار، كما لا تزال بعض هذه الدول تعتبر إسرائيل "الدولة الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة، مع أن الديمقراطية بحسب مضامينها لابُد أن تحترم حقوق الإنسان، في أرضه وحقه في العيش الكريم وفي أملاكه وأمنه... إلخ. لكن هذه الدول، ومنها الولايات المتحدة، وقفت إلى جانبها وتعتبر بعض هذه الدول أنها تدافع عن نفسها! مع أنها دولة محتلة غاصبة لأراضٍ أخرى بالقرار الدولي!
لا شك أن ما يجري اليوم من تحرك لطرد بعض الفلسطينيين في القدس، والتهويد المستمر فيها على وجه الأخص- كما أشرتُ آنفاً- هو نتيجة للخطة المشؤومة "صفقة القرن" التي وضعت في فترة رئاسة الرئيس السابق الأمريكي دونالد ترامب، بالاتفاق مع رئيس وزراء إسرائيل والذي يمثل اليمين الإسرائيلي، والذي يُريد كل فلسطين وطرد السكان الفلسطينيين، بالحجج التي تتحرك فيها بعض الجماعات المتطرفة لإحلالها محل سكانها الأصليين، بحجة الذرائع التاريخية، مع أن هؤلاء السكان العرب، هم الذين طُردوا وهُجِّروا واُبعدوا عن ديارهم في الحروب السابقة، وهم بالملايين في الأردن، ولبنان وسوريا، ومصر، وبلدان عربية وأجنبية، واعتراف الولايات المتحدة بالقدس الموحدة في هذه الصفقة، وجعلها تحت السيادة الإسرائيلية، هو الذي أدى إلى طرد بعض السكان العرب من حي الشيخ جراح، وبدعم من اليمين الإسرائيلي، بذريعة أنَّ كل المناطق أصبحت تحت السيادة الإسرائيلية بموجب هذه الصفقة! وهذا أمرٌ صعبٌ السكوت عليه من قبل الشعب الفلسطيني، خاصة، بعد كل ما جرى لهم منذ عام 1948 وحتى الآن.
الولايات المتحدة من المؤكد أنها تتحمل الكثير من المسؤولية فيما يجري اليوم من حروب وانتهاكات ضد السكان؛ فسببه الأساسي صفقة القرن التي رتب لها ترامب، وفي الوقت الذي تدور فيه رحى الحرب، لا نعرف ماذا سيكون مصيرها ونتائجها على الأبرياء في غزة والمدن العربية الأخرى. اللافت أن بيانات البيت الأبيض، وبعض المسؤولين الأمريكيين، في تصريحاتهم الأخيرة، تتحدث عن الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، بأنها أرض محتلة، وهذا موقف أو نغمة جديدة تظهر من الإدارة الجديدة من الديمقراطيين، وكذلك الحديث عن "الحق العادل للفلسطينين والإسرائيليين"، لكن.. أين هو الحق العادل تجاه ما يجري للفلسطينيين في أراضٍ محتلة بموجب اعتراف الولايات المتحدة بهذا الاحتلال، وهو أيضاً ضمن القرارات الدولية في عام 1948، وعام 1967، والمذكرات الإيضاحية التي أوضحت الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني، وهذه القرارات الدولية لم تُحقق لأصحاب الحق حقوقهم العديدة التي احتلت، كما إنها لم تترك للقرارات الدولية أن يتم تطبيقها من خلال حق النقض "الفيتو"، وللأسف حق النقض، جعل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لا يسهمان في تطبيق القرارات الدولية بعدالة وإنصاف، ولذلك الأزمات والتوترات والحروب ستستمر وتتفاقم بسبب غياب هذه الطرق والوسائل لكبح المظالم والعداوات التي بلا شك ستبقى مؤرقة للإنسانية جميعها، وفي ظل المعايير والمقاييس المتناقضة في القرارات الدولية.
الإشكال أن البيانات الرسمية الأمريكية، تتحدث عن أحقية إسرائيل في الدفاع عن نفسها! مع أن الولايات المتحدة معترفة بأن القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة أراض محتلة، فكيف تحتل أراضي الغير وتكون مطمئنة لذلك؟! وهذا أمر غريب، إذ يتم الاعتراف باحتلال الأرض، لكن لا محاولة لرفض هذا الاحتلال وفي نفس الوقت يتم انتقاد مُقاومته!
إذن ليس هناك استقرار ولا أمان في ظل احتلال قائم، مع انتهاكات وقتل وطرد للسكان، والحروب والصراع ستظل مستمرة إذا ما بقيت القضية الفلسطينية دون حلول عادلة ومنصفة.