سالم بن نجيم البادي
لا تسعفني الكلمات للتعبير عن الحنين والعشق للقدس وللمسجد الأقصى؛ هذا الحب الذي رضعناه مع حليب أمهاتنا، تربينا عليه وحفظناه في قلوبنا كما يحفظ أحدنا سورة الفاتحة، ثم درسناه في المدارس وفي الجامعات والمعاهد وفي الإعلام العربي، يوم أن كان عربياً وقومياً وإسلامياً، لكن اليوم فقد هذا الإعلام هويته وانشغل بأمور أخرى إلا من رحم الله!
كانت قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى والمركزية وحاضرة في كل الأحوال والاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات والخطب، وعند أهل السياسة وفي المناهج المدرسية، وفي الأغاني والأهازيج الشعبية والتي تصدح بها حناجر الكبار والأطفال، في كل أرجاء الوطن العربي، وكانت فلسطين ملء السمع والبصر والفؤاد..
فلسطين حاضرة في الشعر العربي المُعاصر وفي الأدب والروايات، وقلما يوجد شاعر عربي معاصر إلا وتغنى بحب فلسطين وناصر قضيتها العادلة، تلك القصائد الهادرة المزمجرة بالغضب والداعية إلى نبذ الضعف والهوان والعجز والتي تستنهض الهمم وتدعو إلى الزحف المقدس لتحرير فلسطين قصائد أحمد شوقي، وأحمد محرم، وسهام البراهمي، وصالح الشرنوبي، وأحمد مطر، ونزار قباني، وعبد الله البردوني، وسليمان العيسى، وعلي محمود طه، وغيرهم من الشعراء العرب..
ومن أدباء وشعراء فلسطين هارون هاشم رشيد، وإبراهيم طوقان، وفدوى طوقان، وعبد الرحيم محمود، ومحمود درويش، ويوسف حسون، وسميح القاسم، وطه محمد علي، وراشد حسين، وعبد الناصر صالح، وغادة كرمي، ووليد سيف، ومريد البرغوثي وزوجته الراحلة الدكتورة رضوى عاشور التي كتبت رواية "الطنطورية" والتي تدور أحداثها حول النكبة واللجوء وضياع الوطن وابنهمها تميم البرغوثي وغيرهم كثر...
أذكرُ هنا الأدب والشعر؛لأنه محل اهتمامي وهوايتي في القراءة ،كما إني أعتقد أن الشعر والأدب والإعلام والكلمة يمكن أن تقوم بما عجز عنه الساسة والمسؤولون في الوطن العربي، وأن الكلمة قد تكون أقوى وأمضى من الرصاصة أحياناً.
إنَّ فلسطين هي الجرح النازف والألم المقيم الذي لا يفارق نفوسنا، هذا القتل المستمر والتهجير والاعتقال والتعذيب والحصار والجدران والفصل العنصري وسلب الأراضي والذل والإهانات على الجواجز الإسرائيلية ومخيمات الغربة في لبنان والأردن وسوريا وآلاف من الشعب الفلسطيني في الشتات وفي كل بقاع الأرض وفي مخيمات الداخل والحرمان من حق العودة إلى القرى والبلدات التي هجر منها الأجداد والآباء.
فلسطين ملحمة وكفاح ضد عربدة المستوطنين تجاه المواطنين الفلسطنيين والتهام الأرض وبناء المستوطنات واقتلاع الأشجار والمزروعات وسرقة المياه ومنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، وحصار غزة منذ 15 عاماً، والتضييق على الصيادين في البحر، ومنع إقامة الموانئ والمطارات والإغلاق المتكرر للمنافذ والحواجز، والحروب المستمرة منذ 70 عاماً في تلك المنطقة بما فيها الدول المحيطة بفلسطين؛ ومنها: حرب 1948، والعدوان الثلاثي 1956، ونكسة 1967، وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973، وحرب يوليو 2006، وحروب كثيرة ومستمرة، ومذابح مثل مذبحة بلدة الشيخ، ومذبحة قرية أبو شوشة، ومذبحة الطنطورة، ومذبحة قلقيلية، ومذبحة كفر قاسم، ومذبحة قبية، ومذبحة خان يونس، ومذبحة صبرا وشاتيلا، فضلاً عن القتل اليومي المستمر ومآسي الأسرى في سجون الاحتلال.
إنَّ احتلال فلسطين نكبتنا ووجعنا وهزائمنا المزمنة، وموضع الكرامة والكبرياء والحمية العربية والإسلامية والقومية.
ومما يشرح النفس ويخفف الألم هذه الأيام هذا التضامن الراقي والإنساني والنبيل من الشعب العماني تجاه فلسطين وأهل فلسطين والقدس وحي الشيخ جراح وغزة، بداية من موقف سماحة الشيخ الجليل أحمد بن حمد الخليلي مُفتي عام السلطنة، وكافة أفراد الشعب العماني، والشاهد أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي حبلى بأخبار فلسطين والصور والفيديوهات، والتأييد المنقطع النظير لأهل فلسطين والشبان الذين نفذوا اختراقاً لـ100 موقع إسرائيلي.
لقد لمست هذا التضامن حتى في بيتنا؛ حيث تمتلئ حسابات الأولاد وحتى الأطفال الصغار بكل ما يتداول عن أحداث فلسطين، وعيون الجميع مُتعلقة بقناة الجزيرة التي تبث على مدار الساعة الآن فقط عن الأحداث الجارية في فلسطين، وقد تسيل الدموع وتنفطر القلوب لمنظر طفل شهيد وأم ثكلى وبيوت مهدمة وأجساد الشهداء التي تحولت إلى أشلاء، لكن ينتعش الأمل حين نشاهد الصمود والشجاعة والمقاومة الباسلة لدى رجال ونساء وأطفال فلسطين في مواجهة غطرسة وهمجية جنود الاحتلال الإسرائيلي.