"كورونا".. فتنة حال ومال

 

 

خالد بن سعد الشنفري

 

أتذكرُ في ستينات القرن الماضي جاءت إلينا في صلالة فرقة طبية أجنبية للتطعيم ضد وباء ما، وكنا نطلق على أخذ هذا اللقاح أو التطعيم مسمى "الفشط أو التفشيط"؛ وكان يترك علامة على الجلد كالكي فامتنعت النساء عن الفشط في الكتف استحياء، ففشطت في الذراع.

نحمد الله أننا أصبحنا اليوم نفشط أنفسنا بأنفسنا من وباء كورونا وعلى أيدي أبنائنا وبناتنا. ولا شك أن البشرية جمعاء قد ابتليت من جراء جائحة كورونا في الحال ، وابتلاء الحال استلزم بالتبعية ابتلاء في المال، فالجهد البشري هو من يولد طاقة العمل، ولا إنتاج بلاعمل.

إلا أنه حتى يومنا هذا كشفت لنا هذه الجائحة كأمة عربية وإسلامية، مدى عجزنا حيالها ووهننا أمامها رغم أن العديد من جامعاتنا النظامية العربية قد تأسست منذ ما يزيد عن قرن من الزمن كجامعات القاهرة والخرطوم والأمريكية ببيروت والجزائر وغيرها ولم تعد توجد عاصمة أو مدينة عربية ليست بها جامعة نظامية منذ ما يربو عن نصف قرن.

ذكرني اعتمادنا الكلي هذا على الغرب في ما يتعلق بهذه الجائحة، بدأ من وسائل وأساليب التعامل معها وصولا إلى انتظار واستجداء اللقاحات المضادة لها، بقصة إهداء الخليفة هارون الرشيد، ساعة مائية عملاقة إلى إمبراطور روما شالريمان أدهشت الإمبراطور وبلاطه  وأوروبا، التي لم تكن تعرف هذا الاختراع من قبل إلى حد أنهم اعتقدوا أنَّ بداخلها شيطان يحرك عقاربها.

ضبط الغرب بعد ذلك حياتهم  على عقارب الساعة، وأخذنا نحن نضبط حياتنا على إيقاعات الموشحات الأندلسية والقدود الحلبية وأشعار المجون البغدادية، بعد أن فرطنا في الحضارات التي ظهرت فيها، إلى حد أن الخليفة الرشيد لم يسلم من مجوننا، الخليفة الذي كانت حياته عاما يحج فيه إلى بيت الله الحرام وعاما يغزو فيه لنشر دين الله، وصورناه كماجن، وألصقنا بشخصيته شخصية أبا نواس لترافقه في كل حركاته وسكناته، أشبه بشخصيات أبطال الأفلام الهندية القديمة التي لابد للبطل فيها من مهرج يرافقه كالظل.

انتشل الغرب نفسه من ظلام جهل القرون الوسطى بعد أن انتحل علماؤه ما قام به العلماء العرب بدءًا من بصريات ديكارت وصولا إلى نظريات نيوتن وأسسوا بها حضارتهم الراهنة.

اختارنا الله كأمة وسط ووضعنا نبيه ورسوله وحبيبه صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء، أمة اقرأ، واسعَ، واعقلها وتوكل على الله،  إن ما نعيشه اليوم من هوان وخذلان هو ما جنيناه على أنفسنا ولا عزاء لنا في ذلك.

رأينا أوروبا وأمريكا وروسيا والصين، تسعى ويتصدى ويجتهد لمحاربة هذه الجائحة الحرب بمعنى الكلمة، فصنعت اللقاحات المضادة - أطواق النجاة-  ونحن ننتظر في طابور المتلقين للعون علماً بأننا نشكل ثلث سكان الأرض، ومع إدراكنا أنه في الجائحات لن يقدمك أحد على نفسه ولن تسعفك أموالك بذلك، لو وجدت أصلا.

وأخيرا.. كشفت لنا جائحة كورونا بارقة أمل بعلماء من أصول عربية وإسلامية في مناصب قيادية في الحرب ضد كورونا، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "لا تزال طائفة من أمتى ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".

"ويل للعرب من شر قد اقترب"..