علي الرئيسي
باحث في الاقتصاد وقضايا التنمية
"الثقافة هي الاحتفاء بالتعددية، لذلك علينا ألا نتنكر لأصولنا؛ بل علينا الاحتفاء بفسيفساء ثقافتنا ليس كبرج بابل، ولكن كقوة بابل". علي المزروعي.
-----
لماذا تواجه معظم برامج التنمية في الدول النامية الفشل أو تبقى النتائج دون الطموح؟ لماذا فشلت كل من الرأسمالية والاشتراكية في أفريقيا على سبيل المثال في القضاء على الفقر، وتنمية هذه المجتمعات تنمية مستدامة؟ هل لأن برامج التنمية لا تأخذ في الاعتبار الثقافة المحلية ضمن خُطط التنمية؟ وكيف لنا أن نوظف ثقافة المجتمع في تحقيق أهداف التنمية؟ هل على الاقتصاديين ومسؤولي التنمية في البلدان النامية توظيف الأنثروبولوجيا الثقافية في برامجهم التنموية؟ هل بإمكان خبراء التنمية الذين يقدمون المساعدات الفنية من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للدول النامية أن يأخذوا ثقافة المجتمع كأحد المتغيرات في نماذجهم الاقتصادية؟ وما الجانب الإيجابي في هذه الثقافة؟ وما الذي يمكن أن لا يكون له مردود إيجابي في نجاح هذه البرامج؟
إذا أردت أن تناقش موضوعاً هكذا، ستجد أن كلا منَّا لديه تفسيره الخاص أو تعريفه للتنمية والثقافة. وبالطبع هناك خلافات جوهرية حول تعريف التنمية وكيفية قياس مؤشراتها؛ فهناك مسألة الاستدامة، والصحة النفسية، والمساواة بين الجنسين، والذكاء، والسعادة، والعدالة الاجتماعية، والإبداع. ونحن نناقش ونتجادل في هذه القضايا يبقى أن 10 بالمائة من سكان الأرض يعيشون في فقر مدقع معظمهم في أفريقيا والهند. وفي معظم الحالات يواجه العمال أوضاعاً سيئة، أو في حالة تدهور، كما تزداد اللامساواة بين البلدان وفي داخل كل بلد. وهناك عنف موجه لفئات وأقليات ومناطق معينة. كما يواجه العالم إفراطا في تبذير الموارد البشرية والطبيعية، وتدميرا لا رجعة فيه للوضع البيئي.
وبالتالي سنواجه عاصفة من الأسئلة: من يُحدد تعريف التنمية؟ وما هي الثقافة؟
هناك من يعتبر أن التنمية ليست سوى تعبيرٌ آخر للهيمنة، أليست التنمية بمفهومها الحالي هي مدمرة للثقافة المحلية؟ أليست التنمية عبارة عن صراع بين الهيمنة العالمية ممثلة في الشركات الكبرى وبرامج الإصلاح الاقتصادي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، والهيمنة المحلية مُمثلة في النخب الحاكمة؟ أليست التنمية الحالية هي وسيلة لعدم المساواة؟
ثم ما هو تعريفنا للثقافة "Culture"؟ ليس بالضرورة أن يكون هناك تعريف محدد للثقافة، لكن هناك شبه إجماع أنها تشمل الموسيقى، والفن، وأنواع الطعام. كما يمكن أن نعرِّف الثقافة على أنها مجموعة القيم، والمعتقدات، والعادات، والأعراف، وأنماط التفكير، والفلكلور، وأسلوب العيش. لا أحد يدرك كيف انبثقت ثقافة شعب ما، لكنها تعبر عادة عن خصوصية معينة مرهونة بتجارب وحيوات هؤلاء الناس. وبالإمكان تعديل الثقافة ولكن فقط بقدر محدود وضمن ظروف وصيرورة معينة.
في كتاب "الثقافة والتنمية مانفستو" لروبرت كليتجارد (Robert Klitgaard) الصادر مؤخراً من جامعة أوكسفورد، يمزج الباحث عملا بحثيا رصينا مع استنتاجات عامة، وذلك في سعيه لتوظيف الأنثربولوجيا الثقافية في عملية التنمية؛ في محاولة لتحسين نتائج برامج التنمية في الدول النامية. ويدعو المؤلف وكالات التنمية المتخصصة للأخذ بعامل الثقافة المحلية في برامجهم في الدول الفقيرة. ويزعم كليتجارد أن فشل هذه البرامج لا يعود إلى رفض السكان المحليين لهذه البرامج، وإنما لعدم قدرة هذه المؤسسات على توظيف ودراسة الثقافة المحلية. ويتساءل: هل بإمكان خبراء أنثربولوجيا الثقافة التعاون مع خبراء التنمية في إقامة مشاريع تنموية ذات مرود اقتصادي حقيقي يستفيد منه الناس الذين لا صوت لهم، أو تشكيل حركة شعبية للتنمية الاقتصادية؟
الكتاب يحاول أن يفتح آفاقاً للتعاون بين اقتصاديي التنمية وعلماء الأنثربولوجيا الثقافية"، الذين يندر التعاون بينهم، كما يتناول الكاتب تجربته كمستشار عمل في عدد من الأقطار الأفريقية؛ حيث يتناول تحديات التنمية في هذه البلدان، وعدم دراسة هؤلاء الخبراء طبيعة إشكاليات التنمية في هذه الأقطار؛ حيث إن القطاع الخاص في تلك البلدان- على سبيل المثال- لا يشبه مثيله في الدول المتقدمة، وهو عبارة عن قطاع صغير غير رسمي، يعتمد في معظمه على تجار أفراد، يتعاملون خارج النظام المصرفي والمالي. وفي بعض المدن والأقطار، يكون 80 بالمائة من التوظيف غير مسجل، أو غير رسمي. والطبقة المتوسطة لا تتجاوز 5 بالمائة من السكان، والأسواق ضحلة وغير مستقرة، ومعظم المسؤولين الحكوميين يمارسون التجارة بأنفسهم، لذلك الأخذ أو القياس بمعايير الغرب حول الملكية الخاصة، والمؤسسات الخاصة، والتشريعات لا يتماشى مع ما هو قائم في هذه الأقطار.
لكن مسألة الثقافة، في غاية التعقيد أيضًا؛ ففي كل بلد توجد هناك ثقافات وليس ثقافة واحدة، وبالذات إذا تحدثنا عن أقطار تزخر بثقافات متنوعة ومختلفة وأحيانا متعارضة. وهناك ضمن الثقافة الواحدة اختلافات وصراعات جوهرية. وذلك يطرح تحديا حقيقيا لاقتصاديي التنمية. والمسألة الأخرى: كيف يمكن التعامل مع قضايا خلافية، أو ذات أبعاد عنصرية أو لا تنسجم مع القيم الأخلاقية المتعارف عليها عالميًا؟ فمثلا لو أخذنا الهند- على سبيل المثال- كيف لنا أن نتعامل مع نظام الطبقات (Caste System)، فكثير من العادات والتقاليد السائدة في الدول النامية ذات أبعاد غير عقلانية، وتؤدي إلى فشل عملية التنمية. وهذا الكتاب يتطرق إلى تلك القضايا، لكنه لا يطرح حلولا عملية.
يقول علي المزروعي إن الاستعمار الغربي لأفريقيا استطاع أن يدمر البنى الهيكلية للمجتمعات الأفريقية، لكن لم يستطع تدمير الثقافة الأفريقية، وبالتالي الأفارقة أمام خيارين؛ الأول: أن يتجهوا نحو الداخل وأن يتبعوا خطى أسلافهم. والخيار الثاني: الاتجاه إلى العالم الواسع.
لكن على المجتمع الأفريقي التحول من القبيلة إلى مجتمع إنساني، ومن القرية إلى العالم.
ويضيف المزروعي أن الرأسمالية في أفريقيا- وإلى حد ما ينطبق ذلك على الوطن العربي والخليج- هي رأسمالية من نوع خاص، قائلًا: "أفريقيا تُنتج ما لا تستهلكه، وتستهلك ما لا تُنتجه".