ثروة الأمة العمانية

 

 

ناجي بن جمعة البلوشي

 

ما زالت دول عدة حول العالم لم تصل بعد إلى كنزها المخبأ عن منظورها الواقعي، أو لنقل لم تصل بعد إلى الطريق الصواب لنهضتها الشاملة، والمتمثلة في الأرض والإنسان بكل نماذج النمو والرخاء، الذي يشار إليه بالبنان.

وحقيقة أمر هذا الوصول تعود إلى قوة العمل على الاكتشاف فيما يخبىء في تلك الأمة من عوامل قوة تقودها إلى الرزق من التوزيع الرباني المكتوب لها، فإذا كانت قوة العمل على الاكتشاف صحيحة اكتشفته ووصلت إليه ثم ارتقت بلا حدود بل وفي كل نواحي الحياة دون استثناء، هذه القوة ليست بالطريق السهل ولا بالحلم الذي سيكون الوصول إليه من مجرد النوم والحلم فقط؛ فهناك الكثير من المسببات والأسباب التي لابُد من وجودها في تلك القوة من العمل والتي تؤدي بدورها إلى ذاك الاكتشاف على الحقيقة المخبأة.

وللانتقال إلى الخطوة الصحيحة كان لابُد من وجود الظروف الصالحة والملائمة والمساعدة على مساندة قوة العمل؛ وهي مختلفة باختلاف تكونها وتشكلها، فتكون مباشرة من أفرادها أو غير مباشرة ومن صميم الظروف ذاتها والأقدار التي أحاطت بها وأوصلتها إلى ما هي عليه من الارتقاء. فالدولة العربية الإسلامية والتي تشكلت ملامحها من أثر الرسالة المحمدية- على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم- كانت من قبل هذه الرسالة لا يُنظر إليها سوى أنها أمة مهمشة من قبل الآخرين، لا تتساوى معهم في أي شيء، من موازين القوة والدولة؛ فكانت الدول العظمى في ذلك الوقت لا تكترث بما يفعل في الدولة العربية، سواء إن كان من سادتها أو من عبيدها، وكان السيد منهم يُقاد إلى الإمبراطور الروماني أو من يمثله كأنه أحد العمال والباعة في الأسواق الرومانية لا أكثر؛ فيوضع فوق عنقه السيف لأخذ الأجوبة من رأسه؛ بل ويُسلط عليه مرافقيه لمعرفة إن كان كاذباً أم يقول الصدق!!

ومثل ذاك الذي عند الروم مثله عند الفرس وغيره عند ملوك الحبشة؛ فلم يكن لأولئك النفر الذين سافروا إلى الحبشة لاحتواء الدعوة المحمدية واسترجاع المهاجرين من أراضيها سوى أنهم من أهل مكة فقط دون صفة أخرى للمبعوث، أو تسليم ملك الحبشة رسالة من ملك لهم أو قائد أو ممثلهم في الدولة العربية، فكانوا هم أفرادا وشتاتًا.

لكن هذا الحال اختلف عندما بعث الله تعالى فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آيات ربهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، فالمبعوث برسالة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه إلى أهل عُمان كان قارئا وكاتبا وعارفا بشؤون كثيرة من شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والدينية والعلمية، وهو قادم برسالة خطية مكتوب فيها بخط عربي ومختوم عليها بالخاتم النبوي. ومثل هذه الرسالة هناك رسائل عدة أرسلت وذهب بها من هم سفراء وممثلون عن الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلامه وعن الدولة العربية الإسلامية إلى قياصر وملوك وأباطرة العالم يدعوهم فيها إلى الإسلام، فهنيئاً لأهل عمان بأن بلدهم كان من بين تلك الأمم، وكان أبناؤها ممن استحقوا شرف الرسالة المحمدية المرسولة للدول أو للملوك الممثلين لها.

إن قريشاً وعلى كثرة الأموال والنفوذ المحلي عندها، لم يكن لدى سادتها إرادة تكوين كيان حقيقي يُعنى بالأمة العربية أو قوتها أو توحدها؛ لذلك ظلت كما هي عليه، حتى جاءها الرسول الأكرم ووضع فيها أساس الوحدة والقوة والحقوق والواجبات المستمدة من الدين الإسلامي الحنيف، بعد أن اكتشف أنَّ الأمة العربية تحتاج أولاً إلى الإيمان بوجود خالق يدير هذا الكون برمته، والتخلي عن تلك الأصنام والتماثيل المصنوعة؛ فأكرمه الله عز وجل بالرسالة وبالنبوة وشرّفه بها على كل قومه، ومنحه قوة العمل على ذلك الاكتشاف العظيم، وقد تمَّ ذلك بتحقيق الرسالة وتبليغها لهم على أكمل وجه وبها وضع الأمة على مسارها الصائب والصحيح الذي سيوصلها إلى مستوى الأمم التي سبقتها في ذاك الزمان.

ومع تعاقب الزمان وتوسع الدول وزيادة عدد السكان وتراخي الأمة عن مسلكها وطريقها الذي رسم لها تحول مسارها من إلى الأمام إلى مسار أفقي فيما بينها، يهمش بعضها بعضًا ويتجاهله ويجهله، مما أدى إلى ضعفها وهوانها ورجوعها إلى المربع الأول الذي كانت عليه من قبل البعثة النبوية، وإذا كانت هذه المرحلة التي وصلت إليها الأمة العربية فإن عمان لابد لها أن ترجع إلى ما كانت عليه هي أيضا في تكونها وتشكلها الذي كانت عليه كون وجودها معترفا به ككيان ودولة. ولا أعني هنا الانسلاخ عن الأمة العربية والإسلامية؛ بل ما أعنيه إعادة تمركزنا الاقتصادي والسياسي، وهذا يحتاج منا أن نكتشف ما كان يخفى علينا من اكتشاف يؤدي بنا إلى ذلك الوصول، فامتلاكنا للموارد الطبيعية لا يعني أننا اكتشفنا الكنز المخبأ لنا؛ فاليابان مثلا لا تمتلك موارد طبيعية، لكنها تملك عقولًا مفكرة، كما إنها لم تستفد من امتداها البحري الذي يحيط بها أكثر من استفادتها من تعليم أبنائها. والصين كذلك، فعلى الرغم من كثرة تعداد سكانها إلا أنها لم تصل إلى ما هي عليه اليوم سوى من بعد إيمانها باستخدام التقانة واستجلاب الصناعات. والحال كذلك في ألمانيا، فلولا اكتشافها أهمية الاستفادة من الصناعة في غير الحروب لما كانت الدولة الأولى اقتصاديا في الاتحاد الأوروبي، وكذلك رواندا الأفريقية لولا اكتشافها حب الوطن لما تحققت معها الأحلام الحقيقية للتنمية.

ومن أجل الوصول إلى هذا الاكتشاف يستوجب علينا أن نكتشف ما فينا بأنفسنا، بعيدا عن تجارب الآخرين؛ وهو ما يحتاج منا وضع النقاط على حروف ذلك الاكتشاف، ومن هم يكتشفون ومن هم معهم قوة الإرادة إلى الوصول إلى ذلك المراد، والهدف هو وضع خطة واستراتيجية وطنية مداها 100 عام ميلادي، تتجدد فيها كل آفاق المستقبل من مكونات الدولة والكيان العماني، لتبقى مع بقاء الدولة لا مع بقاء المسؤول.