حمود بن علي الطوقي
تكملة لرحلتنا لمدينة القدس فقد وصلنا القدس وقت رفع الأذان؛ الأذان هنا مُختلف؛ شخصيًّا كنتُ أرتعش وأتشوَّق لدخول الحرم. يا إلهي، كيف سندخلُ ومن أيِّ باب؟! هل سيُكتب لنا الصلاة داخل المسجد، أو سنُصلي في الفناء الخارجي؟ الكلُّ مُتشوق، المرشد الذي سيُدخلنا المسجد كان يدعونا للتجمع لكي نكون معًا؛ البعضُ منَّا يبحثُ عن أماكن الوضوء، والآخر يلتقطُ الصور، والمُرشد ينتظرنا لكي يُسهِّل لنا دخول المسجد. نعم؛ كان المشهدُ مشحوناً بالعواطف الجيَّاشة، ونحن نُصلي في المسجد الأقصى. دخلنا من باب صغير برُفقة المُرشد. فجأة؛ وجدنا أنفسَنا ونحن في حرم المسجد، ونمرُّ عبر المصلين، إلى أن جلسنا تحت المحراب، والنَّاس تنظرُ إلينا مُرحِّبين بنا. حمدتُ الله، الذي أنعم علينا بالصلاة في المسجد الأقصى الشريف.
تأملتُ قبة المسجد الأقصى من الداخل. يا لروعة التكوين؛ حاولتُ أن أقرأ النصَّ المكتوب عليها من الداخل عبر مُستويات من الزخرفة والفسيفساء المُستخدم فيها ماء الذهب؛ لهذا نجدها تضيء المكان والروح والقلب.
هذا الشعورُ الرُّوحاني الذي يشعرُ به المُسلم لا يُدركه الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث إنَّ فكرهم في تهويد المدينة لن يُفلح، وستظل القدس إسلامية عربية، إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها. هكذا قال لنا سماحة الشيخ حسين مُفتي القدس؛ عندما التقيناه بعد أن أدينا صلاة الجمعة (جماعة) في المسجد الأقصى الشريف. وقال إنَّ اليهود يسعون إلى إزالة المعالم العربية الإسلامية. فخططهم بإزالة المعالم العمرانية التاريخية والدينية، ستجعل المدينة بدون تاريخ، وبدون قدسية؛ فيخف ارتباط العرب بها رويدًا رويدًا؛ حتى يُصبح الارتباط أمرًا من التاريخ، هذا هو المشروع الإسرائيلي لتهويد القدس الشريف.
الحمد لله الذي كتب لنا أن نصلي الجمعة المباركة في هذا المسجد المبارك بعدها كان لابد من زيارة مسجد قبة الصخرة، وقد رافقنا في هذا المسجد المُرشد أيمن المقدسي. للمسجد سبعة أبواب -على ما أظن- دخلنا من الباب الشرقي؛ كانت هناك مجموعة من النسوة يؤدين الصلاة، تفرقنا في المسجد، وكان المرشد ينادي أن نتجمع لكي يبدأ في الشرح. قال -وهو يُشير- هنا تقع الصخرة الشهيرة في وسط المسجد، وهي بارتفاع مُتفاوت يصل إلى مترين، وأقصى طول لها 18 متراً، وأقصى عرض 13.5 متر. أخدنا جولة في كافة أرجاء المسجد، لم نستطع تأمُّل كافة الأرجاء لوجود أعمال الصيانة، دَنوْنا إلى قرب الكهف الذي يقع على الجانب الأيمن، هنا في هذا الكهف صلَّى النبي محمد بالأنبياء والمرسلين. يا إلهي، هل يُعقل أن نصلي ركعتين في هذا المكان الطاهر؟! هل هذا حُلم أو واقع؟ نعم.. إنِّه واقع أتيح لي ولزملائي أن نُصلي، ونكثر من الدعاء. لم نكن نرغب في أن نتركَ المكان، كنَّا نريد أن نطيل في الصلاة والدعاء. وقبل ذلك، شاهدنا قبة شعرات النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أدخلتُ يدي عبر الفتحة التي تصلنا بالصخرة؛ حيث تعطرت برائحة المسك.
كانت برفقتنا في هذه الزيارة الطالبة المقدسية عبير زياد (الطالبة المقدسية، التي استفدنا من معلوماتها الغزيرة عن تاريخ القدس. سألناها أسئلة كثيرة، وكانت مُدركة لكل سؤال، ووصفناها بأنها موسوعة مُتحركة.
وعن البلدة القديمة في القدس، قالت لنا: إن مساحة البلدة القديمة تبلغ نحو 887 دونماً (والدونم: أداة للقياس يُساوي ألف متر مربع)، وتنقسم المدينة القديمة لأربعة أحياء: الحي الإسلامي، وبه الحرم الشريف بمساحة 141 دونمًا، ويقطن فيه قرابة 24 ألف مقدسي، فيما الحي اليهودي مُقام على 130 دونماً وبه 4600 نسمة، إضافة للحيين الأرمني والمسيحي.
فشهوة امتلاك وتملك المدينة بكل ما فيها تستبد باليهود. إنهم على استعداد لدفع مبالغ خيالية للشراء؛ فمثلاً أحد اليهود من سكان نيويورك عرض مبلغاً كبيراً للسماح لهم بفتح باب على سوق الصاغة؛ من أجل المرور إلى طريق السطح من خلال سوق الخواجات.
مَرَرنا إلى باب المغاربة، كان جنود الاحتلال يُحيطون بمداخل ومخارج الباب، لا يُسمح لنا بالمرور. وبالقرب منه حائط البراق، الذي هو قسم من السور الغربي للمسجد. هو مرتفع قليلاً، وقد سُمِّي كذلك نسبة إلى البراق الذي ربطه سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- يوم إسرائه إلى المسجد الأقصى، ويدَّعي اليهود أنَّ الحائط هو جُزء من الحائط الغربي للهيكل، ولم يثبُت حتى الآن أيٌّ من هذه الادعاءات، وما زال اليهود يُصلون عنده، ويبكون. ولنا نحن أن نبكي على حارة المغاربة التي دمَّرها الاحتلال فور احتلال القدس عام 1967. تجولنا في أقسام المدينة القديمة، فعلى مدارج باب العمود، كان أطفال المقدسيين يُرحبون بنا. وفي المقابل، أطفال اليهود والمتشددون بلباسهم الأسود، وشعورهم الطويلة يمرُّون كمجموعات في حركات سريعة. بينما أطفال المقدسيون كانوا يضحكون بصوت مرتفع.
من هذا الباب دخلنا السوق القديم، وهناك رأينا بيتًا مقدسيّا اغتصبه شارون، وعلَّق بالبيت العلم الإسرائيلي. كانت رائحة المدينة القديمة مُعطرة، وطرقاتها مُعبَّدة بالأحجار القديمة.
... استوقفني طفلٌ مقدسيٌّ يبيعُ شراب اللوز، وأصرَّ أن أشتري منه كوبًا من العصير، والتفَّ حولي الأطفال يسألونني: من أين؟ وكيف وصلت إلى هنا؟
وهناك؛ يقفُ شيخٌ عجوزٌ ناولني "كعك القدس"، ورفض أن يأخذ مُقابله. قال لي: مرحبًا بكم في القدس، نحن نرى لأول مرة عربًا في هذا الحي المقدسي! كما طلب مني صاحبُ مقهى أن أجلس ولو لحظة في مقهاه، لكي أحتسي القهوة المقدسية.
مررنا بالأزقة القديمة في سوق العطارين، وسوق النحاسين، ومررنا من باب السلسلة وباب الساهرة. وكان الوقت يُلاحقنا كأننا نحاول اكتشافَ المكان من جديد. كنا نقولُ إنَّ كلَّ مُحبٍّ للقدس سيحتاجُ لأيام وأسابيع للتعرف على القدس. ها أنا ذا أرى أنني بحاجة لذلك الوقت لأتعرف أكثر على ساحات المسجد الأقصى، أحد مُفردات الثقافة الإسلامية والعقيدة؛ فهنا صلَّى الرسول حين أُسري به من مكة إلى القدس، هنا سار عُمر بن الخطاب وبلال وكبار الصحابة وصلاح الدين. هنا أيضًا سِرتُ ورفاقي، هنا التاريخ، هنا الأرض المباركة، هنا أرض المحشر.
. أكثرُ من معلم مقدسي يخلقُ الكثير من التداعيات؛ يُمكن لنا أن نقضي ساعات نحدِّق في المكان، إلا أن الزمان لا يُعطينا الفرصة، تركتنا عبير وكلها أملٌّ أن نعيد الكّرة، وتركنا القدس ونحن نتسابق لجمع حفنة من التراب والرمل؛ فقد كنَّا نريدُ أيَّ شيء يُذكرنا بالقدس؛ حيث إنَّ الاحتلال الغاشم صرف الناس عن جمال "زهرة المدائن" وقدسيتها وحضارتها الضاربة في أعماق التاريخ.
الوفد الصحفي
شاءت الأقدار أن يسجل التاريخ لأول وفد صحفي عماني يزور. فلسطين ويزور القدس الشريف وضم الوفد الذي ترأسه رئيس جمعية الصحفيين آنذاك عِوَض باقوير كلا من:
- حاتم الطائي رئيس تحرير جريدة الرؤية
- حمود الطوقي رئيس تحرير مجلة الواحة
- الوضاح المعولي رئيس تحرير مجلة النهضة
- عاصم الشيدي رئيس تحرير جريدة عُمان
- سالم الجهوري الصحفي بجريدة عمان
- خلفان الزيدي الصحفي بجريدة الوطن
- مصطفى القاسم الصحفي بجريدة الوطن
- عبدالعزير الجهضمي الصحفي بجريدة أوبزرفر
- حمدان البادي الصحفي بشركة عمانتل
- عزيزة راشد الصحفية بقناة مجان
- أحمد كشوب الصحفي بوكالة الأنباء العمانية.