علي بن سالم كفيتان
لا زال ليل مسقط يستضيف أصحاب المعالي والسعادة، ويمنح المُتابع العُماني شغفاً جميلاً حول سير الأمور فيما يعنيه في حياته اليومية، فليس مطلوباً أن يلتفت مُقدم البرنامج لطول ولا عرض الوزير بقدر ما يتوقع منه أخبارا تسر القلب وتطمئن الفؤاد.
ولا شك بأن الفرعي صال وجال مع معالي الدكتور وزير العمل رغم إصراره في أكثر من مُقابلة على تأكيد الروح الظفارية لدى الضيف؛ فربما هذا إعجاب شخصي لا نلومه عليه، فالجنوب الدافئ- كما يقال- يثبت عقارب البوصلة ومنه ينطلق السهم، مشيراً للشمال البارد العليل. وكما عهدنا من وزرائنا الجُدد البساطة وزرع الثقة، فالكثيرون تفاعلوا مع المقابلة المنتظرة فوجدناهم يطالبون بنشر قوائم العشرة آلاف مواطن الذين تم توظيفهم خلال الفترة الماضية، ولا أعتقد بأنَّ هذا الأمر صعب فبالإمكان نشر أسماء من تم توظيفهم، والجهات التي وظفتهم في كشف على منصة وزارة العمل بحيث يطلع عليها الجميع ويشعر بسلامة سير إجراءات التوظيف، ومصداقيتها مما يولد شعورا بالرضا ويبعث برسائل تعلوها الشفافية الخالصة للرأي العام المتحفز لحلحة هذه القضية الوطنية المؤرقة.
بين معاليه أنَّ وزارته تصنع الفرص وليس الوظائف وشتان بين الأمرين وبالتالي فهي منظم لقطاع العمل، ومعالج لبعض الظواهر التي تستجد. وربما يرى البعض في ذلك هروبا للأمام لكنه الواقع للأسف. فقد استنتج المتابعون هذه الحقيقة المرة، ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه الباحث عن عمل بارقة أمل اصطدم بحقيقة مفادها أن القطاع العام لم يعد منتجا للوظائف، والقطاع الخاص يرزح تحت نير الجائحة وتخبط السياسات الاقتصادية وخاصة الموجهة لهذا القطاع، ففي الوقت الذي يطلب منه توليد آلاف الوظائف يتم تقييده بالسلاسل البيروقراطية وتضاعف عليه الرسوم، وتفرض عليه الإغلاقات حتى أن تجار الشنطة وأصحاب بسطات المشاكيك باتوا على الأرصفة يستنجدون المساعدة. إن حزم الدعم الموجهة للمستثمر الأجنبي من حيث تخليص معاملاته في ساعات بدل أيام وشهور بلاشك تُعتبر تقدما كبيرا، لكن هذا المستثمر لديه نظرة يقيم من خلالها بيئة الأعمال في البلد، فكيف له الربح في وسط بيئة عمل محبطة وتراجع في السيولة المالية للمواطنين هذا المستثمر لديه خياران لا ثالث لهما، إما الاستحواذ على الفرصة وما يتبعها من أراضٍ وتسهيلات كما حصل في بعض المشاريع التي وهبت فيها أراضٍ لا تقدر بثمن "ببلاش"، أو أن هذا المستثمر لا يهمه السوق الداخلي في السلطنة فهو لا يستهدفه أصلاً ويكتفي بالنزر البسيط من التوظيف قليل الدسم، ويستخدم مناطقنا الحرة وموانئنا العملاقة لتعظيم ثروته.
لا أدري إن كنت قد فهمت أهداف صندوق الأمان الوظيفي أم غم علي الأمر، ولم أرى ذلك الهلال المضيء في عتمة الأفق على العموم صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته، فالمتوقع من هذا الصندوق هو إعطاء منح مالية لجميع الباحثين عن عمل المقيدين في سجلات وزارة العمل، والمحدثين لبياناتهم مهما تكن تلك المبالغ، وهذا نظام مُتبع في كثير من دول العالم بحيث يستطيع ذلك المواطن تسيير أموره البسيطة، وتوفير مصروفه اليومي في أضيق الحدود بحيث لا يشكل عبئاً إضافياً على أُسرته المنهكة في الأصل، حتى يتمكن من اقتناص فرصة وظيفية فتصبح منحته شاغرة لباحث آخر، لكن تخصيص هذا الصندوق الذي يحمل هذا العنوان الكبير للمسرحين من أعمالهم وفق شروط وضوابط كثيرة والاستحقاق فقط لفئة المسرحين منذ أغسطس 2020 فنرى تغيير اسم هذا الصندوق الى اسم صندوق المسرحين من العمل وحذف جملة الأمان الوظيفي.
قد يتساءل البعض كذلك عن تخصيص مبالغ من الوزارة الموقرة للتدريب على رأس العمل في ظل عدم وجود عمل! وهنا قد يصل البعض إلى استنتاج كون تلك المبالغ التي يتم ضخها في هذا البرنامج تأتي كدعم لمؤسسات القطاع الخاص المتعثرة، والوسيلة هي الباحث عن عمل ففي الوقت الذي تخصص فيه الملايين لتلك المؤسسات لهذا البرنامج يحصل الباحث على منحة تدريبية متواضعة لبضعة شهور، بينما الباقي يذهب لحساب تلك المؤسسات وبعدها يجد الباحث المدرب نفسه بلا منحة ولا وظيفة فيعود للصف الطويل مجدداً. لا ننكر أن بعض من تمَّ تدريبهم سيتم توظيفهم لكن يجب أن تكون هناك مقارنة ومؤشر أداء، ولا يجب تسمين الشركات على حساب قضية الباحثين عن عمل. تمنيت أن تضخ تلك المبالغ في صندوق الأمان الوظيفي وتوزع على هيئة منح شهرية للباحثين عن عمل وأن يكون هذا المخصص مرصودا لهذا الهدف سنوياً بالتوازي من آلية فاعلة لإيجاد الوظائف المناسبة للمواطنين.