محمد بن حمد البادي
انتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع القليلة الماضية مقطع فيديو للمرأة المديونة كانتشارَ النار في الهشيم، وتباينت ردود أفعال رواد مواقع التواصل الاجتماعي حول نشر هذا الفيديو بين مؤيدٍ ومعارضٍ، وكلٌ يقيس الأمور حسب منظوره الخاص.
لكن الأمر الذي يثير الانتباه في هذا الموضوع؛ والذي تُبنى عليه عدة تساؤلات، لماذا نلوم هذه المرأة لموافقتها على تصوير الفيديو ونشره؟ ما الذي أجبرها لأن تلجأ إلى هذا الرجل الذي اشتهر اسمه في "السوشيال ميديا" لتشكي له حالها البائس بصوت مملوء بالبكاء والدموع ليسمعها ويراها كل العالم؟ لماذا لم تلجأ إلى القنوات الرسمية في المؤسسات المعنية بالرعاية الاجتماعية للمواطنين؟ هل لأنها وجدت في هذا الرجل تقديراً ورأفةَ لحالها؛ في حين لم تجد حلاً عند أصحاب الحلول، فوجدت نفسها تنساق لا شعورياً، وبطريقة غير مباشرة لاتخاذ هذا القرار؛ والتي رأت فيه ملاذاً وحيداً لحل مشكلتها التي تعلقت بمعيشتها ومعيشة أسرتها وأبنائها؟ ثم لماذا نعتب على هذا الناشط الاجتماعي لأنه قام بتصوير ونشر هذا التسجيل المرئي والمسموع؟ هل لأنه بيّن لنا جزءاً من المشاكل الاجتماعية في مجتمعنا بطريقة أكثر إنسانية من غيره؟
وتجاوزاً لهذه الحالة الفردية؛ لماذا يلجأ معظم الناس إلى الفرق الأهلية التطوعية للبحث عن حلول لمشاكلهم المعيشية الصعبة؟ هل لأنهم يجدون أبوابها مفتوحة في حين أغلقت أمامهم أبواب أصحاب المعالي وأصحاب السعادة في المؤسسات؟ والذين كان من الواجب عليهم مساعدتهم والقيام على شؤونهم ورعاية مصالحهم؟
هل يجدر بالنشطاء الاجتماعيين أو الفرق الأهلية التطوعية في الولايات القيام بالدور الرئيسي لبعض المؤسسات التي أنشئت لتقديم الرعاية الاجتماعية المتكاملة للمواطنين؟ ويبذلون جهوداً مضاعفة في البحث والتقصي عن الأحوال المعيشية للأسر المتعففة؛ من أجل التخفيف من وطأة الحاجة أو تحسين آني لظروفهم المعيشية المنهكة؟
لماذا يلجأ المحتاج في أغلب الأحيان؛ أياً كانت حاجته إلى وسائل التواصل الاجتماعي أو البرامج الحوارية في الإذاعات لإيصال مطالبه ورسالته؟ هل بسبب صعوبة الوصول إلى جهات الاختصاص؟ أم بسبب عدم تجاوب هذه الجهات إلا باستخدام هذه الوسائل؟
الأمر فعلاً مثير للاستغراب؛ ويحتاج إلى وقفة حاسمة وسريعة.
إن تلك الكراسي الوثيرة، والأبواب التي لا تفتح إلا بأرقام سرية، والأبراج العاجية العالية، ومديري المكاتب الذين لا يسمحون للمواطن البسيط بمقابلة معاليه أو سعادته إلا إذا كان من علية القوم، والهواتف التي ترن ليل نهار ولا تجد من يجيب عليها، ودوائر خدمات المراجعين التي لا تقوم بدورها بشكل صحيح، وبعض القوانين والتشريعات الوضعية التي في حقيقتها تعطيل لمصالح المواطنين، أو مراعاةً لمصالح زيد فقط، وتقول لعبيد أنت غير مستحق ولا تنطبق عليك الشروط، رغم أن زيدا وعبيدا في نفس السفينة المنكوبة، ما هي إلا قيودٌ مخمليّةٌ؛ تعطل المسؤول عن رؤية الواقع.
يا صاحب المعالي، ويا صاحب السعادة فكّوا القيود المخمليّة التي أحاطت بكم من كل جانب؛ وحجبتكم عن رؤية الأحوال المعيشية للمواطنين؛ فالمكان الطبيعي لأصحاب المعالي وأصحاب السعادة والمسؤولين هو الميدان، يجب على المسؤول ألا يسمح لهذه القيود المخمليّة أن تمنعه من رؤية الواقع عن قرب.
نريد أن تكون أقدام المسؤولين على الأرض، يعيشون مع الناس، يكابدون أحوالهم، ويعايشون حياتهم، ويعرفون أدق تفاصيل معاناتهم، حتى يستطيعوا تغيير حياتهم للأفضل، فهذه المسؤولية تكليف قبل أن تكون تشريفاً، "ألا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ".
نريد من المسؤولين ملامسةً حقيقيةً لأحوال الناس، نريد أن نراهم هناك بين الأرامل والأيتام، بين الفقراء والمساكين الذين "لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا"، نريد أن نراهم بين المسرّحين من أعمالهم، وبين الباحثين عن عمل يسمعون أنينهم وشكواهم.
نريد أن نراهم في المدارس بين الطلاب والمعلمين، وفي المستشفيات بين المرضى والأطباء والممرضين، نريد أن نراهم بين المزارعين والصيادين والحرفيين.
نريد أن نسمع عنهم هنا وهناك وليس في البرامج التلفزيونية فقط؛ أو في قاعات المحاضرات والمؤتمرات والندوات وأروقة المنتديات التي تعددت وتكاثرت وانهكت واستهلكت موارد المؤسسات وطاقات المسؤولين، نريد إنجازات ملموسة وقرارات محسوسة، وليس شعارات برّاقة، أو تشريعات معطلة، أو دراسات وتوصيات لا تسمن ولا تغني من جوع، لتجمع في ملفات؛ ثم ترمى بعد ذلك في أدراج المكاتب ليأكل الدهر عليها ويشرب حتى يصاب بالتخمة.
لقد كان رمز عُمان الخالد السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- قدوة حسنة لكل مسؤول، فلطالما أكد- رحمه الله- في خطاباته السامية؛ على ضرورة نزول أصحاب المعالي والسعادة إلى الميدان لتقصي أحوال الناس عن قرب، والاستماع لمطالبهم واحتياجاتهم والبت فيها بشكلٍ سريعٍ ومرنٍ دون تأخير أو تعقيد.
كما إنِّ حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يسير على ذات النهج القويم الذي تأسست عليه نهضة عمان الحديثة في رعاية مصالح المواطنين، ليكون خير خلف لخير سلف؛ فقد أسدى جلالته- أيده الله- فور تولي مقاليد الحكم في السلطنة، توجيهاته السامية الكريمة لجميع المسؤولين في الحكومة بمتابعة الأوضاع المعيشية للمواطنين، بما يضمن لهم مستوى العيش الكريم واللائق في هذا الوطن المعطاء، مؤكداً- نصره الله- أن العيش الكريم للإنسان العماني حاضراً ومستقبلاً هدف أسمى لكل العمل الحكومي في مختلف القطاعات.