الصراع التقليدي بين الموظف العام ومسؤوله المباشر

خالد بن أحمد الأغبري

الوظيفة في مُختلف جوانبها -الفنية والإدارية- ومراتبها ودرجاتها ومستواها واختصاصاتها وسلطتها الواسعة ومراكز انضباطها وتفاعلها، وبالقدر الذي يمنحها هذه الصفات العملية ذات القوة التصاعدية والتناسق الحرفي والتناغم العملي، سوف يُؤدي في المقابل إلى نمط إيجابي مشرِّف؛ وذلك من خلال منظومة عملية متكاملة. وفي اعتقادي أنَّ هذه النظرية تكمُن في معايير أهمية الوظيفة وأهدافها وخططها وبرامجها، والتي تقع ضمنًا في خانة التكليف قبل أن تكون في مربع التشريف.

هذا التكليف في حد ذاته، وبطبيعته الخاصة وفلسفته الواسعة، يعتمد على مجموعة من القيم والعناصر المهمة التي يتوجب معرفتها من قبل الموظف، قبل أن يشغل هذه الوظيفة المتاحة؛ وأهَمُّها: الأمانة والإخلاص والالتزام ببرتوكول العمل ومواعيده وحقوقه المادية والمعنوية، وإنه بمجرد شغله للوظيفة سوف يُصبح خادما للوطن والمواطن دون تكبُّر أو ترفُّع، وعليه أنْ يؤدي واجبه بإخلاص وتفانٍ وصدق وشفافية وطاقة فكرية متجددة، وثقافة عالية، وتعامل يتميز بسعة البال وانشراح الصدر، وأدوات كفيلة بتبسيط الإجراءات؛ بما يجسد احترام مشاعر الآخرين ويسهل مطالبهم، ويعمل على تحقيقها وفق القانون والأنظمة المعنية بتقديم الخدمة المطلوبة، دون مماطلة أو مجاملة أو محسوبية على حساب المصلحة العامة؛ بل عليه أنْ يضع في حسابه أنَّ الوطن للجميع وهم فيه سواسية، والكل شريك في موارده ومصادره وخدماته وتنميته، وهم متساوون أمام القانون في شتى مناحي الحياة.

وبالرغم من المعطيات القانونية ومساراتها التنظيمية، إلا أنَّنا نجد أنَّ أداء الموظفين غير متساوٍ من حيث الانضباط والجودة والإخلاص، وهم بذلك ينقسمون إلى خمسة عناصر: ممتاز - جيد جيدا - جيد - مقبول – ضعيف. ومع هذا، فقد تجد من المعادلة الصعبة التي تخترق أدبيات الوظيفة وأخلاقياتها وسلوكها بأن الموظف الذي يتقهقر في المستوى الضعيف والمعروف عنه التمرُّد والاستخفاف بواجباته الوظيفية تجده في بعض الجهات أكثر اهتمامًا من قبل المسؤول المباشر، وتجده أكثر حظوة من غيره، وقد يكون من شاغلي المناصب المرموقة في تلك الجهة، وله الكثير من الامتيازات والصلاحيات في إشارة واضحة لمدى الارتجالية السلبية التي تدار بها هذه المؤسسة، وكأنها مؤسسة خاصة. ونتيجة لهذا الوضع، فإنه عندما يتولَّى المناصب مثل هذه النوعية من المسؤولين تجده متعاليًا في سلوكه، مانحا نفسه الحق في مصادرة الرأي الآخر وتهميش الفكر الخلاق، فضلا عن كونه يخلق لنفسه هالة من السلطة والصلاحيات التي من خلالها يتحكم في مصير المؤسسة، وإيجاد منظومة من القرارات الارتجالية التي تمس مصالحها؛ وذلك بوضع نظام ديكتاتوري يخالف النص القرآني؛ حيث يقول الله في محكم آياته: "وَالَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنهُمْ يُنفِقُونَ"، وتفسيرا لما جاء بهذه الآية الكريمة: "وَأَمْرُهُم" الديني والدنيوي "شُورَى بَيْنَهُمْ"؛ أي: لا يستبد أحد منهم برأيه في أمر من الأمور المشتركة فيما بينهم، وبالتالي فإنه كان من الواجب على هذا المسؤول أن يقدر جهود زملائه ويشاركهم الرأي بحيث يتشاور معهم ويتفاعل مع أفكارهم، لكي يحافظ على علاقته مع زملائه ويستفيد من خبراتهم وتبقى مصالح المؤسسة مبنية على الاحترام المتبادل بين أطرافها، كما أنه من الواجب على هذا المسؤول أن يقدر جهود الموظف المخلص المتميز في أداء واجباته والغيور على عمله، وأن يمنحه الثقة بالقدر الذي يرفع من جهوده وعطائه في مجال اختصاصه، لا أن يكون حاقدا عليه، مستبدا بآرائه وقراراته التي سوف تؤدي به إلى الفشل.

وفي المقابل، يكون هذا التصرف سببا في تهميش الموظف المخلص، وإحباط معنوياته وهمته، وتركه للوظيفة نتيجة ما يواجهه من مضايقات، ولعله مما تعانيه بعض الإدارات عندما يكون على رأسها مسؤول ليست لديه خبرة كافية في فن الإدارة، مهما كانت شهاداته العلمية، تكون حالتها غير مستقرة إداريا ولا منضبطة فنيا، وفي حالة ظهور أي موظف من بين موظفي المؤسسة على قدر من المسؤولية والإخلاص يجد نفسه أمام تحديات عميقة وصعبة نتيجة الاختلاف في المستوى الفكري والثقافي؛ مما يؤدي إلى خلق الكثير من الإشكاليات في الجوانب الوظيفية والنفسية، وما يصاحبهما من إخفاقات سلبية مضادة لإستراتيجيات الدولة وبرامجها الطموحة لتأهيل الشباب وصقلهم ليكونوا على مستوى المسؤولية التي تمنحهم القدرة على سد الفراغات الموجودة بالجهاز الإداري للدولة من أجل خدمة الوطن والمواطن على حد سواء، وإذا كانت هذه المؤسسات تعاني من بعض الإخفاقات في أدائها بسبب وجود عناصر غير فاعلة؛ فلاشك أنَّ ذلك يرجع إلى قصور برامج التقييم الموضوعي والمراقبة الدقيقة والمتابعة العميقة التي تعكس الصورة الواضحة لمسارات الأداء والاطلاع على نقاط الضعف، وإيجاد الوسائل الفاعلة لمعالجة أوجه القصور والأخذ بالجوانب التصحيحية التي من شأنها تعزيز قدرات المؤسسة على تجاوز هذه الإخفاقات، واتباع السبل الكفيلة بإعادة هيبة المؤسسة واستقرارها على النحو الذي يحقق أهدافها ويُحسِّن مستوى أدائها في كافة المستويات، ولكون المراقبة والمتابعة يشكلان أهمية بالغة في مسار تحقيق أهداف الدولة وبلورة إستراتيجياتها وبرامجها.

ومن المهم في نظري تفعيل دوائر خدمات المراجعين بالمؤسسات الحكومية، أو إيجاد بدائل لها ومنحها الصلاحيات اللازمة للتعاطي مع تلك المهام والصلاحيات المكلفة بها، وتنفيذ واجباتها من حيث الرقابة والمتابعة؛ باعتبارها النافذة التي يطل من خلالها المراجع لقضاء مصالحه، ومن منطلق الجهود الحثيثة ذات البعد الإستراتيجي التي يبذلها مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله وأبقاه- وحرصه الدائم على تطوير أنظمة الجهاز الإداري للدولة، وتقييمه للوضع بشكل حرفي، ومتابعته بصورة هادفة ومستمرة، فإن ذلك سوف يحفز منظومة العمل في مختلف جوانبها، وسوف يرتقي بمعطيات الأداء بصورة مباشرة.

وفي الإطار ذاته، بادر جلالته -حفظه الله- بتكليف لجنة متخصصة بمتابعة الأداء الحكومي، ومنحها الصلاحيات اللازمة من أجل تفعيل مهامها؛ بما يحقق الأهداف والغايات التي أنشئت من أجلها؛ لهذا فإنَّ فكرة فصل تبعية دوائر خدمات المراجعين عن الجهات التابعة لها حاليا، وربطها بأعمال لجنة متابعة الأداء الحكومي، وإيجاد آلية للتنسيق والتعاون فيما بينهما، تُشكل أهمية بالغة في تقوية دور هذه اللجنة، وضبط الإطار العملي الذي يؤدي لتحقيق الأهداف المرجوة من عملية المتابعة الدقيقة، وبموجب هذه النظرية سوف تتاح لها حرية مطلقة وواسعة وقوة رسمية خلاقة تليق بمستوى الغاية التي أنشئت من أجلها هذه الدوائر المعنية بخدمة المراجعين، والجهود التي تبذلها الجهات الحكومية لتقديم الخدمة المتميزة الهادفة إلى تبسيط الإجراءات وتحسين مستويات أداء الموظفين، ومتابعة المعنيين بخدمات المراجعين، ومتابعة الإجراءات الكفيلة بتطوير مسارات العمل، والارتقاء بدور الجهات المعنية بالخدمات التي تقدمها الدولة، وتعزيز منظومة أدائها؛ بما لا يتعارض مع القوانين والأنظمة التي من شأنها خدمة المصلحة العامة.

والله ولي التوفيق والقادر على ذلك...،

تعليق عبر الفيس بوك