سارة بنت علي البريكية
يطلُّ علينا خير الشهور مُحمَّلا بخيراته ونفحاته الإيمانية وشذا عطره الفواح.. في كل عام مثل هذا الوقت يتأهَّب الناس لاستقبال هذا الضيف الكريم، كل يحتفل حسب طريقته واستعداده الخاص.
نجد العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه في حالة من الفرح والسرور وعمق المشاعر والحنين؛ فهذا الشهر هو الأقرب لقلب كل مسلم كيف لا وقد تنزل فيه القرآن الكريم، قال تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ".
لذا؛ نجد البعض يتسابقون على ختم القرآن في هذا الشهر الفضيل، ورمضان شهر التسامح، فكثير من البشر يكون لهم رمضان نقطة تحول عميقة، إما من ناحية التسامح أو من ناحية تغيير السلوكيات للأفضل، وأيضا من جانب آخر هو حمية غذائية للبعض وفرصة مناسبة لأصحاب الأوزان الكبيرة في نزول أوزانهم إذا فكر جيدًا واهتم جيدًا.
ونحن نستقبل أفضل الشهور تملؤنا على غير العادة مشاعر من الحزن إذ يحل علينا لثاني مرة ونحن نعيش جو الوباء العالمي "كوفيد 19"، وهذا الوباء الذي غير كثيرا من نمط الحياة المعتاد؛ فلا زيارات رمضانية ولا صلوات تراويح ولا حلقات ذكر والتهجد، كل ذلك تغير، ومع قرارات اللجنة العليا -وامتثالا لما نصت عليه من أنَّ الإغلاق مستمر من التاسعة مساءً- فهذه المره فعلا سنقول إن رمضاننا هذه السنة غير.
هذه الأيام ستمضِي وستبقَى ذكراها وستنقضي، ولكن يجب أن نستغلها بالطريقة الصحيحة، أن يكون رمضان كما هو سابقا في التواصل مع الأحباب، ونحن بحاجة أكثر للتواصل مع أهلنا الذين يعيشون معنا في نفس البيت، بحاجة للتقرب إليهم أكثر، بحاجة لفهمهم أكثر وتطوير علاقاتنا بهم، من خلال جلسات الذكر وتلاوة القرآن والتأمُّل في خلق الله، بحاجة لأن يكون هناك وقت مخصص يجتمع فيه كل أفراد العائلة للتدبر والتذكر والإلفة والمحبة التي تكون في مثل هذه الجلسات؛ لأنه في الآونة الأخيرة لا تجد مثل هذه الجلسات، كل شخص لاهٍ في مشاغله، وقد يكون البعض في نفس البيت ولكن لا يعلم شيئا عن حياة الآخر، وأصبح التواصل الإلكتروني مزعجا للغاية، أبعدَنا ولم يُقرِّبنا؛ فكَّك شملنا ولم يلمه، فرق بيوتا وفرق بشرًا وفرق أخوة وأحبابًا.
فهذه فرصة جيدة جدا للتقرب لبعضنا البعض، وفتح صفحة جديدة من التسامح والحب والعطاء، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الحشر: "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".
إنَّ التصالح مع الذات في هذا الشهر الفضيل هو االمطلوب منا، والبعد عن كل ما قد يُشعرنا بأحزاننا المتراكمة.. إنه فرصة عظيمة للعودة إلى دواخلنا التي بعدنا عنها كثيرا، وأخذتنا مشاغل هذه الحياة المليئة بالصخب والأعباء والأعمال التي قد تنسينا من نحن، وننشغل بها كثيرا؛ لذا أيها الأحبة من الأجدر بنا أن نستغل كل لحظة في هذا الشهر الفضيل.
وانتهز هذه المناسبة، لأرفع أسمى آيات التهاني وأطيب الأماني الطيبة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد -حفظه الله ورعاه- ولكافة أفراد الأسرة المالكة، وجميع الشعب العماني الوفي.. والله يحفظ المسيرة، وكل عام وأنتم بألف خير.