قرار حكومي يتعارض مع آخر

 

خلفان الطوقي

كثير من النداءات المتكررة تُشاهدها في التليفزيون، أو تسمعها في الإذاعة والمؤتمرات والندوات، وتقرأها في الصحف والمجلات والمنصات الإلكترونية المختلفة، تتمثل في ضرورة التنسيق والانسجام والتكامل بين القرارات الحكومية، هذا المطلب ورغم أنه متكرِّر منذ سنوات طويلة، إلا أنه في ازدياد بشكل ملحوظ، والسبب يعود لارتفاع ثقافة وعي الناس، وانتشار منصات التواصل الاجتماعي التي أوصلت أصواتهم بشكل أسرع إلى المسؤول الحكومي، أضف إلى ذلك أنَّ كثيرًا من القرارات الحكومية تمس الحياة اليومية للناس.

لا أحدَ يُنكر أنَّ هناك حراكًا حكوميًّا ملحوظًا منذ العام 2020، خاصة بعد تعيين عدد من الوزراء الجدد؛ لذلك فمن الطبيعي والمتوقع أن تصدر قرارات في مجالات مختلفة، هدفها خدمة عُمان: سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وتقنيًّا، وأمنيًّا، لينعكس ذلك على تنامي رفاهية المواطن.

القرارات التي صَدَرت، بعضها قوبل بالترحيب، وبعضها قوبل بالاستياء والاستغراب، فردات فعل الناس دوما تكون متباينة، والرضا والرفض يكون نسبيًّا فيما بين الطرف الراضي والطرف الرافض، كما أنه من الضرورة الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أنَّ أي قرار قوبل بالترحيب ينتهي التحدث عنه سريعا، أما القرار المثير للجدل يظل الحديث عنه أسابيع، وقد يمتد إلى أشهر، وهذه طبيعة بشرية متوقعة.

لكي يتم شرح فكرة المقال بسهولة، فمن الضروري الإتيان بمثال توضيحي، فعلي سبيل المثال لا الحصر: قرار السماح لرعايا 103 دول دخول السلطنة بسهولة؛ ففي ظاهر القرار أن الدخول سوف يكون بدون تأشيرة، ويمكن الحصول على تأشيرة دخول السلطنة في المطار، لكن عندما يأتي تطبيق القرار، فسوف تجد أن الاشتراطات السابقة والحالية ليس فيها الكثير من الفروقات الجوهرية التي تستدعي الإعلان عن هذا القرار.

وهناك مثال آخر، أنَّ التوجه الحكومي والاقتصادي يسمح للأجنبي بالاستثمار في السلطنة، لكن في الوقت ذاته، سوف تجد قرارا برفع رسوم العمالة الأجنبية أو بعض الخدمات الحكومية، في نفس فترة إعلان لاستقطاب استثمارات خارجية، مما يجعل خيار الدول الأخرى أكثر جاذبية وتنافسية، ولا وجه للمقارنة بين الاستثمار في السلطنة وفي دول أخرى، ففي هذيْن المثالين تجد الشيء ونقيضه، وكأننا نقول: "نرحب بالجميع، ولكن بشروط صعبة جدا".

هذان المثالان للاستدلال فقط، ولأنهما خَطَرَا على بالي وقت كتابة المقال، لكنَّني أزعم أن هناك أمثلة أخرى في الميدان، كل حسب طبيعة نشاطه التجاري أو طبيعة المعاملات بينه وبين الحكومة؛ فرغم ذلك علينا أنْ نتَّفق أنَّ هناك حراكا حكوميا جادًّا في أكثر من ملف، خاصة في الملف الاقتصادي؛ كالتركيز على السياحة، والرغبة الواضحة في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة، وتشجيع المستثمر المحلي والأجنبي لضخِّ أمواله في العمل التجاري داخل السلطنة، وخلق فرص عمل حقيقية للمواطنين، والسيطرة على الدين العام...وغيرها من الملفات الحساسة، التي تستدعي مزيدا من الحراك والخطوات العملية والميدانية، ولا خيارَ آخر إلا سرعة العمل الحثيث السريع لمعالجة هذه الملفات.

ولكي تتمكَّن الحكومة من تحقيق نتائج ملحوظة وملموسة، لا بُد أن تطبق مفهوم أن العمل الحكومي لا بُد أن يكون كفريق عمل واحد، وأن تكون المسؤولية جماعية، بمزيد من التنسيق والتكامل والانسجام فيما بين كافة الجهات الحكومية، وفهم دور كل جهة بشكل أعمق، وكيف لهذه الجهة أن تخدم إيجابا باقي الجهات الحكومية الأخرى، وأنَّ بعض قراراتها قد يُوثر سلبا على باقي المنظومة الحكومية وتوجهاتها. وعليه، فلا مفر إلا بتطبيق مبدأ النجاح للكل، وأنَّ إخفاق أي جهة حكومية يعني إخفاق البقية، ولا يمكن لأحد من الهيئات الحكومية أن ينسب نجاحا لجهة فردية بعينها، أو أن يتنصل عن المسؤولية؛ فالمسؤولية في الأصل جماعية، ولا بُد من الإيمان بذلك من الجميع: قولا، وميدانيًا.