الأخذ بقاعدة "الغلط الشائع يولد الحق" (2-2)

د. مصطفى راتب *

استكمالًا لما ذكرناه في الحلقة الأولى من هذا المقال، نقول إنه وبناء على ذلك ذهب الفقهاء إلى صحة التصرفات الصادرة من الوارث الظاهر. إذا كان المتصرف إليه حَسِن النية لا يعلم أن الوارث غير مالك ولا يستطيع أن يعلم بذلك، وحُسن النية مفترض حتى يقوم دليل عكسي بهدمه، ويلزم إلى جانب ذلك أن يكون الغلط شائعا يقع فيه أي شخص متوسط العناية والذكاء، ويمكن الاسترشاد في ذلك بما يأخذ به القضاء الفرنسي. ويجب على الدائن أن يُثبت شيوع الغلط والأمر متروك لتقدير القاضي. كما يستندون إلى اتجاه المشرع في القانون المدني الحالي إلى قاعدة الغلط الشائع يولد الحق في الحالات التالية:

1- للخلف الخاص؛ متى كان حسن النية أن يتمسك بالعقد الصوري، ولما كان الدائن المرتهن من المشتري يعتبر خلفًا خاصًا له لذلك يمكنه أن يتمسك بالعقد الظاهر.

2- إذا كان النائب ومن يتعاقد معه يجهلان معا وقت العقد انقضاء النيابة، فإن أثر العقد الذي يبرمه حقا كان أو التزاما يضاف إلى الأصيل أو خلفائه. وهذا الأمر يقتضى حماية من يتعامل مع شخص انقضت نيابته ولكنه ظهر بمظهر النائب.

3- الوفاء بإبراء ذمة المدين إذا تم بحسن نية لشخص كان سند الدين في حيازته، وهو ما يسمى بالدائن الظاهر الذي يعتقد الكافة أنه صاحب حق.

ويحدث ذلك في العمل بصفة خاصة بالنسبة إلى الوارث الظاهر حيًا عندما يتلقى حقوقَ مورثه لدى الغير، فيقوم أحد المدينين بالوفاء له على أنه الوارث الحقيقي.. هنا هذا الوفاء مبرئ لذمة المدين.

حكم تصرف الوارث الظاهر طبقا لقانون السجل العيني.. من المعروف أنَّ فرض الوارث الظاهر لا يورث في ظل نظام السجلات العينية التي يأخذ بها القانون الألماني، فمن يتعامل مع الوارث الذي قيد حقه في السجل، يعتبر تصرفه ساريا حتى في مواجهة الوارث الحقيق، ولا يكون أمام الوارث الحقيقي إلا الرجوع بالتعويض على الوارث الظاهر، وهذا الرجوع يُدعم بمسؤولية الدولة الاحتياطية. ولاحتمال أن يكون الوارث الظاهر معسرا، يوجد في ألمانيا نظام صندوق الضمان العام الذي يخصص لتعويض المالك الحقيقي الذي سلب حقه كاثر القيد حق الوارث الظاهر. وبالرجوع إلى قانون السجل العقاري العماني الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 2 لسنة 1998، نجد أنه لم يأخذ بنظام صندوق الضمان العام الذي يأخذ به المشرع الألماني. كما أنَّه أجاز رفع الدعاوى المتعلقة بحق عين عقاري أو بصحة أو نفاذ تصرف من التصرفات الواجب قيدها في السجل؛ لأنه نظم كيفية التأشير بمضمونها في السجل وجزاء عدم اتباع ذلك. إلا أنه يمكن للدائن المرتهن من الوارث الظاهر أنْ يتمسَّك بحقه في مواجهة الوارث الحقيقي، إذا قام بقيد حقه في السجل قبل التأشير بمضمون دعوى الوارث الحقيقي، وذلك طبقا للمادة 31 من قانون السجل العقاري العماني.

لذلك؛ نُناشد المشرع العماني الأخذ بنظام صندوق الضمان، حتى يُمكن تعويض المالك الحقيقي في حالة ما إذا كان الوارث الظاهر معسرًا؛ بل إنَّ الأخذ بهذا النظام يضع حجية مطلقة للقيد في السجل، فلا يكون هناك محل للطعن في التصرف المقيد في السجل بأي وجه من الوجوه، وبذلك نصل إلى تحقيق الحماية المطلوبة لاستقرار المعاملات عن طريق تنظيم الملكية ذاتها، وإكسابها الثبات دون أن يكون في ذلك اعتداء على حق أو تعطيل تداوله.

 

* أستاذ مساعد بكلية البريمي الجامعية