الإستراتيجة الوطنية للتنمية العمرانية

 

< مدن المستقبل: استدامة بيئية وتماسك مجتمعي مع بنية أساسية رقمية متطورة

 

مرتضى حسن علي

appleorangeali@gmail.com

أعلن معالي الدكتور خلفان بن سعيد الشعيلي وزير الإسكان والتطوير العمراني عن الإستراتيجية الوطنية للتنمية العمرانية، وفي الوقت نفسه يفكر العالم في حلول مبتكرة وذكية كأجزاء مهمة من البنية الأساسية للتنمية العمرانية للمدن وأحيائها؛ الأمر الذي يستدعي الاستعانة بالتقنيات الحضرية الذكية بشأن النظم الرئيسية التي تتطلبها مدن المستقبل وأحياؤها، مثل خدمات المياه والنقل والتبريد والطاقة النظيفة وغير ذلك.

المدن العالمية الحالية تشكل نحو 2% من مساحة العالم، لكنها تستوعب نحو نصف سكانه، والنسبة مُرشحة للزيادة لتصل إلى 68% خلال السنوات الثلاثين المقبلة، كما تستهلك نحو 80% من مجموع الطاقة المولدة عالميا وتنتج نحو 70% من نفاياته، والنمو السكاني المتواصل في المدن أدى إلى اختفاء مساحات خضراء كبيرة مسببا مشاكل بيئية عديدة، وأثَّر على نقاوة الهواء والمياه العذبة والموارد الطبيعية، كل ذلك يتطلب التفكير بطريقة مختلفة عند التخطيط لمدن المستقبل وأحيائها أو عند إعادة تأهيل المدن والأحياء الحالية، وضرورة إشراك المهندسين المعماريين وخبراء الاجتماع وعلم النفس وعلم المستقبليات في عملية التخطيط.

وتظهر الآن إستراتيجيات وتكنولوجيات وبحوث جديدة لجعل المدن وأحيائها المختلفة أكثر أمنا واستدامة، وأقل تلوثا، ومن المفيد التنسيق مع الأمم المتحدة التي نظمت مؤتمرات عديدة حول الموضوع، ولديها لجان متخصصة تابعة لها، وساعدت دولا عديدة في هذا الشأن، إضافة للاستعانة مع عدد من الجامعات الراقية في العالم التي تحتوي على أقسام متخصصة حول هذا الموضوع.

كيف يفكر العالم حول مدن وأحياء المستقبل؟ بعض النقاط التي من المناسب الأخذ بها عند التخطيط ما يلي:

1- نشر المناطق الخضراء الكثيفة حول المدن وأحيائها، وغرس الأشجار داخل الشوارع والبيوت والأبنية، إذ تشير الدراسات إلى أنها تقلل من نسبة التلوث بشكل كبير، كما تعمل كمُرشحّات فعّالة لإزالة الملوثات الضارة، وتقلل من درجة الحرارة بنسبة تصل إلى 8 درجات مئوية؛ مما يقلل الحاجة لتكييف الهواء بنسبة تصل إلى 30%، وتقل كمية الكهرباء المستعملة من قبل المستهلك.

2- تبريد أحياء ومجمعات كاملة عن طريق محطات التبريد المركزية ذات الكفاءة العاليةDistrict Cooling، التي تنتج المياه المبردة لتزويد المباني والمنازل والأحياء التجارية والصناعية من خلال شبكة أنابيب معزولة تحت الأرض، يدخل الماء البارد إلى المباني ويتدفق من خلال مبادل حراري، ويمتص الحرارة من مساحات المباني قبل إعادة تدويره مرة أخرى إلى المحطة المركزية؛ من خلال خط عودة الحلقة المغلقة، هذا النوع من التبريد يقلل الضغط على الشبكة الكهربائية، ويوازن الأحمال الكهربائية، ويقلل تكاليف الوقود والأثر البيئي المُضِر.

3- استعمال تقنيات الطاقة المتجددة؛ ومن ضمنها: الطاقة الشمسية، عبر تركيب واستخدام الألواح الشمسية، وتصميم الوحدات السكنية؛ بحيث تكون عازلة للحرارة؛ سواء من حيث دخول الحرارة إلى داخل الوحدات السكنية أو تسريب البرودة خارجها، مؤدية إلى توفير استعمال الكهرباء.

4- إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية أو الطاقات البديلة وإنارة الشوارع منها، وتزويد الوحدات السكنية المختلفة من تلك الطاقة، فالتقنيات أصبحت متوفرة الآن لهذا الغرض وتتطور باستمرار.

5- التخطيط بطريقة تجعل المسافة قصيرة بين الحي السكني ومركز الحي، عند توجه الساكنين للتبضع أو الحصول على الخدمات المختلفة في المركز التجاري بالحي، وإيجاد مسارات للمشاة لتمكين الساكنين من الانتقال مشيا أو بالدراجات بدلا من استعمال السيارات، والاستفادة من التراث الثقافي والبيئي والطبيعي لكل مدينة ومنطقة وتوظيفها بالشكل المناسب.

6- إعادة دراسة المواصفات المشروطة للبناء، ومراجعة كل القوانين والإجراءات التي صدرت منذ السبعينيات من القرن الماضي؛ فالمراجعة قد تكشف أن بعض المواصفات قد لا تكون واقعية أو عملية أو ضرورية، وقد تُسهم في ارتفاع تكلفة البناء بطريقة غير مبررة ويستوجب مراجعتها ومقارنتها مع غيرها من الدول، وبعض الشركات الاستشارية ربما تستفيد من تلك القوانين وتقوم أحيانا بالمبالغة في وضع المواصفات لأسباب معروفة، التخطيط الحضري الجيد بحاجة لوضع الأُطر والتشريعات الملائمة على المستوى الوطني.

7- تخطيط المباني السكنية بأحجام ومواصفات مختلفة، ليتسنى للراغبين ذوي الدخول المختلفة الاختيار من مجموعة مختلفة ومتنوعة من الخيارات، أي التخطيط لوحدات سكنية ميسورة التكلفة، والأخذ بالاعتبار بأن رفاهية الساكنين تشكل جزءا من تنمية الحي والمدينة، وإن السكن والمستوى المعيشي المعقول من حق المواطن، مع تجنب الأخطاء الماضية التي أدت الى ازدحام غير مبرر في بعض المناطق.

8- توفير مساحة معقولة من الأرض لإقامة حديقة في كل منزل، إضافة لتخصيص مساحات كافية من الأراضي في المناطق السكنية لإقامة الحدائق العامة وملاعب للأطفال مع مستلزماتها، ونوادٍ للرياضة وللجنسين، تتناسب والكثافة السكانية لكل منطقة، إضافة إلى توفير أماكن كافية لمواقف السيارات، وخاصة في الأماكن التجارية، وإيجاد أماكن في كل الأحياء السكنية والبنايات لجمع القمامة، وتطوير نظام نقل عام مستدام يعتمد على السيارات والحافلات الكهربائية المستمدة طاقتها من حرارة الشمس والطاقات المتجددة النظيفة الأخرى.

9- يراعى عند تخطيط كل منطقة سكنية جديدة أو عند إعادة تأهيل منطقة سكنية قديمة، اكتفاؤها ذاتيا بالحد الأدنى من حيث وجود منطقة تجارية متكاملة مع عيادات ومستوصف ومطاعم ومسجد ومركز للشرطة ووحدة للإطفاء وبنوك ووحدة لإنجاز المعاملات الحكومية ومكتبة وغير ذلك من الخدمات، وأن لا يسمح لأية خدمات أخرى خارج تلك المنطقة.

10- على مستوى عُمان، التفكير ببناء مدن بين مجموعة من القرى لجذب الساكنين من أصحاب القرى للسكن فيها، وتوفير فرص العمل لهم مع الخدمات الضرورية؛ حيث إنه من غير المجدي اقتصاديا توفير كل الخدمات وفرص العمل للساكنين في القرى الصغيرة المتناثرة.

11- إنشاء وحدات لمعالجة المياه وإعادة تدويرها لري الحدائق في المناطق السكنية الكبيرة، وتصميم الشوارع لتتضمن مسارات لممارسة رياضة المشي واستعمال الدراجات.

12- من أجل توفير المبالغ الكافية لتقديم القروض، يستلزم التنسيق مع البنك المركزي لإيجاد آليات وقنوات متعددة غير موجودة الآن لتوفير المبالغ الضخمة، وتوفير أوعية لإيجاد ودائع طويلة المدى، لتمكين البنوك من تقديم قروض لفترات طويلة وتشجيع الاستثمارات الخارجية لتطوير القطاع العقاري.

13- إنشاء جمعيات للملاك للبنايات السكنية، وإيجاد قوانين ملزمة لصيانة المرافق العامة، وتكون أجور الصيانة متناسقة مع المساحة المملوكة من الملاك، وأن يكون التأمين من ضمن تلك الأجور الملزمة.

14- تركيب كاميرات لمراقبة الشوارع والأماكن العامة والأبنية، لتوفير درجة الأمان والتقليل من الجرائم، وربطها بالأجهزة المختصة.

15- التفكير كلما كان ممكنًا، بتصميم الوحدات السكنية بطريقة تكون مناطق الاستعمال العامة فيها والمطابخ مُعرَّضة للضوء لأكبر فترة ممكنة للتقليل من صرف الطاقة.

16- تشجيع العلاقات الاجتماعية لسكان الأحياء السكنية ودعم الإحساس بروح المسؤولية الجماعية للسكان، وتمكينهم من المشاركة في إدارة الحي والعناية به، وتشجيع السكان على الاستفادة من البيئة التنظيمية والإدارية للحي؛ وبالتالي تشجعيهم للتكامل والتعاون والتواصل بين أفراد المجتمع عموماً والجيران تحديدا، وتشجيع التعارف بينهم وتقوية العلاقات الاجتماعية.

... إنَّ عالمنا اليوم يمر بتغييرات سريعة، ويصاحب كل ذلك تغيُّر في المستويات المعيشية وفي الأذواق والاحتياجات، مما يستوجب على المخططين استنباط حلول مبتكرة من أجل استدامة بيئية وتماسك مجتمعي مع بنية تحتية رقمية متطورة وعصرية تتناسب مع ما هو مستهدف في وثيقة الرؤية المستقبلية "عمان 2040".