علي بن سالم كفيتان
أنت في حاضرة الجنوب صلالة، وبالتحديد في إحدى نياباتها الستة التي تعدُّ الظهيرَ السكانيَّ الرئيسيَّ للولاية، وعندما تتجوَّل في هذا الريف الجميل تقفز إلى مخيلتك الكثير من الأسئلة التي لا تجد لها أجوبة في الغالب؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: لماذا هذه النظرة القروية السائدة لهذا المجتمع؟
فتطوُّر المجتمعات يقودها للمدنية والتنظيم، والمتوقَّع أن نرى بعد 50 عاماً مدنًا منظمة عمرانيًّا في الريف، تتوافر فيها كل الخدمات من ماء وكهرباء وصرف صحي وطرق واتصالات...وغيرها، ويفترض أن تكون خارج مناطق الغابات والأحراش التي يجب تركها لرعي الماشية. تصورت ريف ظفار الحالم بنمط عُمراني موحَّد، وقرى منظمة وحالمة، لا ينغِّصها الذباب المصاحب لتواجد الماشية، ولا فوضوية التخطيط وتداخل الاستخدامات. تخيلت في كل قرية مصنعًا لمشتقات الألبان وآخر للجلود والفخاريات، وجمعية تعاونية تتوافر فيها المواد الغذائية التي تكفِي سُكان تلك المنطقة، وجميع هذه الأنشطة عبارة عن استثمارات يديرها سكان تلك القرى بأنفسهم، فيوفروا لأبنائهم فرصَ عمل، ويعملون على إيجاد منافذ لتسويق منتجاتهم الحيوانية والزراعية والحرفية وتنمية وضعهم الاقتصادي.. هل وضعت الإستراتيجية العمرانية في محافظة ظفار هذا المعيار وتلك الصورة عندما رسمت محاورها الرئيسية؟
هذا الأسبوع، نزلت إلى عقبة تيدبور وعقبة طوق؛ وكليهما في نيابة طيطام؛ فاكتشفت أنهما آخر التجمعات السكانية التابعة لولاية صلالة التي لم تصلها الطرق المعبَّدة، رغم الكثافة السكانية والحيوانية والأهمية السياحية، واستوقفني أكثر من شخص مطالبًا بوضع تلك المناطق الحيوية ضمن الأولوية القصوى من حيث وصول الطرق المسفلتة. وحسب مُتابعتي للأمر، وجدتُ أنَّ مطالبات المشايخ والأهالي مضى عليها قرابة النصف قرن؛ وهي لا تُبارح أدراج المعنيين؛ فمن وعد إلى آخر، ومن خطة إلى التي تليها، ومن المحزن عندما أنظر لأول المطالبات ومن وقَّعوها إلى وزير الدولة ومحافظ ظفار، أجدهم جميعا قد فارقوا دُنيانا دون أن يروا الطريق الموعود، وما زالت المطالبات مورثة في الأبناء والحفدة، ولا يوجد نور في نهاية النفق حتى الساعة.. فما الذنب الذي اقترفه هؤلاء الناس ليعيشوا في هذا العناء طوال تلك الحقب؟ ومن المسؤول الذي غضَّ الطرف عن مطالبهم العادلة كل هذه المدة؟ ولا يزال الملف يبرُك على طاولة بلدية ظفار، مدعوما بمطالب المجلس البلدي، وتزكية المشايخ ونائب والي المنطقة، رغم أن التكلفة التقديرية للمشروع لا تتعدى 400 ألف تقريبا، وعند طرحها للتناقص ستقلُّ بلا شك لنصف هذا السعر تقريبًا.
لقد خصَّص مولانا جلالة السلطان المعظم -أيَّده الله- موازنات مالية للمحافظات؛ بحيث تكون تحت تصرف المحافظ والمجالس البلدية لتطوير المناطق الواعدة، وبلا شك نيابة طيطام تعد إحدى أجمل المناطق السياحية في ولاية صلالة؛ لذلك إذا تعذر وجود مخصص مالي من موازنة البلدية يمكن إدراج المشروع ضمن تطوير المناطق الواعدة سياحيا، بحيث يتم توصيل خدمة أساسية طال انتظارها وفتح المجال للاستثمار السياحي لتلك المناطق الحالمة، ولا نزيد سنوات الحرمان أكثر؛ فالمواطن هنا أصبح يائسا، خاصة عندما يرى مشاريع طرق تُنفَّذ لمناطق أخرى طوال الفترات الماضية، بينما طلباتهم يتم ركنها في الأدراج لأكثر من 50 عاماً، كل هذا يقودنا لمطالبة بلدية ظفار بالإسراع في تنفيذ ما وعدت به طوال 50 عاماً ولم تنفذه.
لا يَجِب أنْ يكون انتشار الجائحة وتراجع أسعار النفط شمَّاعة يعلق عليها المسؤول إخفاقاته، ويتمترس خلفها عن خدمة الناس، ولا يجب أن يقول المسؤول هذا المشروع كان قبلي ويتجرد هو من المسؤولية، ونحن هنا نُقدِّر للشيخ سالم بن عوفيت الشنفري الرئيس السابق لبلدية ظفار جهوده في تنمية المناطق الريفية؛ فقد كان رئيس بلدية ظفار الوحيد الذي خصَّص حصة من الطرق لكل نيابة سنويًّا، فتم ربط التجمعات السكانية بالنيابات، ولا يجب أن تتوقَّف هذه النظرة وهذا التوجه؛ فمدينة صلالة تستحوذ على نصيب الأسد من الخدمات، بينما ما زالت النيابات تفتقر للخدمات الأساسية، رغم ثقلها السكاني وبُعدها الاجتماعي، ولهذا نهيب بسعادة الدكتور أحمد بن محسن الغساني رئيس بلدية ظفار، الإسراع بتنفيذ طريق منطقتي تيدبور وطوق، وجعلهما كأولوية قصوى هذا العام، حسب ما وعد به المشايخ في آخر مقابلة أجريت معهم، ونتوقع من سعادته كل خير بإذن الله تعالى.