أكل عيش

 

عائض الأحمد

طبيعة بشرية، ومن المسلمات أن تبحث دائماً عن حياة أفضل وتسعى لها بكل ما أوتيت. ولكن الفرق بين البحث عن الأفضلية و"أكل العيش" كبير جدًّا. لديَّ اعتقادٌ بأنَّ نسبة كبيرة من محتكري الأعمال والمناصب الإدارية العليا في دول الخليج من فئة جامعي المال، وليس لديهم أدنى اهتمام بما قد يؤول إليه الوضع إن ظل هؤلاء بنفس الفكر الضيق أن "يأكل عيش" فقط.

وللأسف، لديهم مشكلة كبيرة جدا في إقصاء أبناء هذه الدول عن مراكز القيادة واتخاذ القرار، خوفا على "عيشهم"، وكأنَّهم لا يعلمون، فبقاؤهم مرتبط ببقاء هذه المؤسسات وانهيارها، أو إغلاقها لأسباب تنظيمية معينة؛ لأنَّ عدم الاستفادة من أبناء البلد يضرُّ الجميع على المدى القريب والبعيد.

ولكن.. النظرة القاصرة لمن يُطلق عليهم خبراء وهم بلغة الهندسة الميكانيكية (خوابير) يعلوها الصدأ، لدرجة تشبُّثها بمواقعها، واستحالة إخراجها قبل إزالة الصدأ المتراكم عليها منذ سنين؛ لتعمل من جديد وتدور في فلكها الميكانيكي المعتاد!!

وللانصاف.. لا لومَ عليهم؛ كل الملامة على من سنَّ هذه الأنظمة ثم وقف متفرجا وكأنَّ الأمر لا يعنيه، ليس من الحكمة في شيء أن تكون أنت من صنع هذا التشوُّه، ثم بنفس الطريقة السابقة تبحث عن حلول.

لا يعتقد أحد أننا نحرض أو ننتقص من جهد من يستحق، ويقدم كل ما لديه بإخلاص؛ فالجميع مرحبا بهم، ومن المستحيل أن نعيش منغلقين على أنفسنا.

ولكن على مُؤسساتنا أن تُحسِن الاختيار، فما نشاهده الآن عبث حقيقي وإقصاء متعمَّد لأبناء هذه الدول من بعض "خبراء العيش"، ممن يتقاضون آلاف الريالات والدراهم والدنانير، وينظرون إلى أبنائنا ويصفونهم بما لا يليق في أحيان أخرى.

رغبةً في البقاء أطول فترة ممكنة، فليس لديهم ثقة فيما يقومون به؛ لذلك تجد من يأكل بكلتا يديه على وزن "أكلي العيش".

يقول أحدهم بأنَّ مديره الحالي أتى سائقا خاصا، وحضر لتقديم سيرته الذاتية في "مركبة" صاحب العمل. ويضيف بأنّه هو من قام بالمقابلة الشخصية معه، وفي أقل من ثلاث سنوات أصبح مديره الإقليمي في تلك الشركة.

عندما نقتَنِع بقدرات شبابنا، فعلينا منحهم الفرصة كاملة.. لا يمكن في أي عمل أن تتجزأ الثقة، إما أن تُمنح كاملة أو تُسلب كاملة، وهذا حديث خبراء الإدارة ومتابعي هذا الشأن.

هناك من يستحق، وهو إضافة لنا ولديه الكثير لتقديمه، ويقدم خبراته وجهده ويقنعك بأنه أتى ليعمل، ولديه قناعة بأنه سيرحل بعد فترة معينة، وعندما تتحدث معه يقول لك أنا هنا للوصول إلى هدف معين على المستوى العملي لإنجاز ما تم التعاقد عليه، ثم الرحيل.

وهدفي الشخصي تحسين مستوى دخلي، وإضافة خبرة في مجال عملي، هنا تُحترم أهدافه وتستطيع كربِّ عملٍ الوثوقَ به؛ لعلمك مُسبقا بأنه يعلم ما يريد وأنت كذلك.

وهنا.. أتمنَّى من كل المؤسسات والشركات ذات الشأن، ألا يتجاوز العقد عدد السنوات الأربع مهما حدث، هذه الفترة كافيه جدًّا، وهي الحد المتفق عليه عالميا في مجالات عدة.

عندما ترتبط فترة زمنية طويلة بمكان ما، وهذا شعور إنساني طبيعي، من الصعوبة أن تتقبل الخروج منه بسهولة، بل ستحاول وتحاول أن تتمسك بكل لحظة، لتبقى وتُخرِج غيرك؛ اعتقادا بأنَّ ذلك حق من حقوقك.

وقد يُشعرك بأنّه صاحب الفضل عليك، وتصحو يوميًّا على شكوى قضائية وحقوقية وأنت لا تعلم لماذا.

ومن هنا، علينا أن نحدِّد فتره بقاء المتعاقدين للعمل، فمن غير المقبول إطلاقا أن تجد موظفا تجاوز العشرين سنة في البلد، ثم في لحظات تقول له: "شكرا، هذه مستحقاتك"، وتعتقد أنه سيرحل بكل هدوء.

هل سنصل إلى إضافة بند مُلزِم في عقد كل خبير أجنبي: "كم مواطن ستضيف" لهذه الشركة خلال فترة تعاقدك؟

------------------------

ومضة:

الحياه كغيمة يحملها السحاب، لا تعلم أين سيهطل ماؤها.

------------------------

يقول الأحمد:

مرَّت من هُنا يومًا فلم تكن لي ولن تكون، التجربة لن تغني أبدا عن الحقيقه، والعكس.