القصود.. والاقتصاد!

 

حمد بن سالم العلوي

لا أعرف السبب في تسمية "سنبلة القمح" بالقصّود في قريتنا، وكذلك لا أعرف لأي مدى هذا المسمى أو التعريف مُنتشر في مناطق أخرى من عُمان، ولكن الذي أعرفه جيداً فهمي الضئيل -أنا شخصيًّا- في الشؤون الاقتصادية، ولكن أجد نفسي مُرغَماً على الخوض في شأن الاقتصاد ولو بقدر حجم القصّود، وهو أمر يتطابق وهذا المصطلح، وليس في بلدي عُمان وحدها، ولكن في كل بلاد العرب قاطبة.

وها أنا اليوم سأتكلَّم عن الاقتصاد من واقع حال القصّود، وإنْ كان كلامي سيكون بحذر شديد، فعلى سبيل المثال: أحوالنا الاقتصادية مُتردِّية قبل أن تغشانا كورونا بمصائبها، والكل أصبح يعي الصاملة التي حلت باقتصادنا الريعي الضعيف في بنيته الأساسية، وكما يقول المثل المحلي: "من الأصل الجرية ضعيفة وطاحت فيها طفالة".

لقد توقَّعنا أن تتدخل الحكومة برفع الطفالة من جرية الغيز الضعيف، وذلك حتى يستمر الماء في الجريان، ولكن الذي نراه يحصل العكس، فكلما رفع التجار الصغار الرأس من تحت الماء لاستنشاق بعض الأكسجين، خبطتهم كورونا بكفها العنيف الغليظ، فأغرقتهم مرة أخرى في وحلها، ويطلب الناس العون من الحكومة عبر اللجنة العليا المكلفة ببحث التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا لمَد يَدِ المساعدة، فيجدون العين الحمراء في ضرورة إطاعة القرارات. "طيِّب جميل هذا الحزم، ولكن لماذا الانتقائية في الحزم؟! ولماذا لا تُخفض الإيجارات؟ ولماذا لا توقَف تماماً عندما تكون مدفوعة للحكومة أو للشركات الحكومية؟!"، وإذا قلنا إن بعض الإيجارات مرتبطة بأقساط بنكية للعقار المؤجر، فلماذا لا تؤجِّل البنوك الأقساط أو حتى تخفِّضها؟! ولماذا لا تخفض نسبة الأرباح وهي من الأصل مرتفعة؟!

لقد انتهتْ تراخيص جلب العمالة الوافدة من الخارج، وطبيعي أنْ تنتهي قبل أن تستكمل الجهة المستفيدة كل العدد المصرح به لها؛ فعندما ذهب الناس بطلب التجديد للاحتفاظ بالتصريح ساري المفعول، حتى إذا سنحت الفرصة تم استقدام العمالة المطلوبة، قيل لصاحب الطلب عليك أن تكرر دفع نفس الرسوم، وهذا أمر عجيب وغريب، وكأن المسؤولين أصحاب القرار يعيشون في عالم لم تمر به كورونا، وزعمت وزارة العمل أنَّ هذا القرار ليس قرارها، وإنما قرار اللجنة المعنية؟!

إذن، هذه خصوصية تفهمها وزارة العمل كونها الجهة المختصة، وهي في الأصل كانت تعطي 14 شهراً للترخيص، وذلك ليقينها أن هذه الفترة معقولة في الأمور العادية؛ ولأن البحث عن العمالة المناسبة يبدأ من تاريخ الحصول على التصريح، وليس قبل ذلك حتى يكون التنفيذ سريعا، أما وإن جائحة كورونا دخلت على المسار المعتاد وحولته إلى أمرٍ طارئٍ، فإن الموضوع أصبح يحتاج إلى إعادة نظر، خاصة وأن هناك عمالة تم ترحيلها للتخفيف من وطأة المصيبة على التجارة، وإن العجوز كورونا ترفض أن تحدد موعدا للمغادرة، وترك الناس وشأنهم. إذن؛ أصبح للضرورة أحكامها الخاصة، وعلى اللجنة أنْ تُعالج الأمور بحكم الضرورة، وليس بحكم القانون والقرارات السارية والنافذة.

هُناك قرارات تسير الآن بسرعة نحونا، وهي من قيمة القصّود وموازية لحجمه، ألا وهي قرارات القيمة المضافة، وليس من أحد سيعترض على الأمور التنظيمية، ولكن ألا يُوجِب واقع الحال اختيار الوقت المناسب للتنفيذ؟!! أعتقد جازماً أنَّ هذا الظرف غير مناسب على الإطلاق لتطبيق ضريبة القيمة المضافة، فأمامنا شهر رمضان المبارك مسبوق بأزمة كورونا، فمعناه الأمور "مطّيّنة على الآخر" -كما يقول الإخوة المصريون- والذي نعلمه أن قرارات البشر تُصيب وتخطئ، وليست كالآيات المحكمة من القرآن كلما رأيتها مقفلة تنفتح بأمر خالقها وخالقنا معاً في الوقت المناسب، وصرف النظر عنها كذلك فيه خير من الخالق للمخلوق؛ لذلك نرجُو من حكومتنا الرشيدة، أن تؤجل التنفيذ ولا تلغيه.

الأمر الذي يُطالب به المواطن أن تكون "الرحمة" فوق القانون، وفوق كل دواعي الاقتصاد، وأن نشرع في محاسبة المقصرين، لأنهم هم من أوصلوا الأمور بعد خمسين عاماً من النهضة الكبرى في البلاد، إلى ما وصلت إليه اليوم، وكورونا مجرد الطفالة التي وقعت على رأس الاقتصاد الريعي المتذبذب؛ لأن البنية الأساسية كانت ضعيفة جدًّا، وذلك رغم التوجيهات التي كان يوجهها المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- وذلك كان في السر والعلن، وأينما ذهب في ربوع عُمان وسيُوحها، ولكن كان التفاعل ضعيفا، أو أنه غير مواكب للنظرة الثاقبة لطيب الأثر، وبناء مشاريع اقتصادية قوية اليوم، فإنها تحتاج إلى وقت ومال، ولن تكفي الحكمة والحزم وحدهما لخلق اقتصاد محصن.

لذلك؛ نطالب حكومتنا الرشيدة بأن توازن بين ضرر كورونا، والضرر على الاقتصاد، فهذه الجائحة الضرر منها متدرج، فتجد الحكومة والاقتصاد والقطاع الخاص هم الأكثر تضرراً، والأقل تضرراً موظفو الحكومة، والأكثر قسوة وتضررا هو البائع العُماني المتجول، لأنه يقع ضمن قاعدة "إن حشت تعشت" وهذا مثل متداول وينطبق على المرأة التي تمتهن عمل جمع الحشائش، فإن هي جمعت شيئاً باعته مقابل عشاء ليوم واحد.

إذن؛ الإنسان الذي يعمل مثلا في بيع المشاكيك، أو بيع الماء على صهريج، أو شاحنة نقل الأغراض، أو أي عمل آخر يعتمد على خدمة الناس، فإنَّ الرزق يتوقف بتوقف الطرق، ويا ريت لو شُددّت العقوبة والغرامات على المستهترين وحدهم دون الكافة، وخففت الإجراءات على الملتزمين بالضوابط الوقائية، نظراً لأن موعد رحيل كورونا غير معروف، وربما سنواصل بقية السنوات المقبلة مع كوارث جديدة من نفس نمط كورونا، طالما ظل الجشع قائمًا، والإنسانية ودَّعت الأرض إلى مكان آخر، حتى يأتي الله بقوم آخرين يطيعون الله ما أمرهم، وهم أقل ضرراً على البشرية من الصنف الحالي.

اللَّهُمَّ احفظنا برحمتك، وأدم السعادة على عُمان وغيرها من بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، وأعز سلطاننا بالنصر المبين، واحفظه من حسد الحاسدين وكيد الكائدين.