... لكن لا حياة لمن تنادي!

خليفة بن عبيد المشايخي

Khalifaalmashayiki@gmail.com

 

يجنح الحالمون بالفضيلة والصلاح والاستقامة في كل قطر إلى استنطاق العقل المثقل بالجهل المعرفي بالله، بطرق وأساليب ووسائل رشد وتوجيه وإقناع وإيضاح مختلفة، بُغية تحريره من جهله وهيمنة إبليس والهوى، وعبودية النفس، وتلك التي لا تساوي عند الله جناح بعوضه، فيشرعوا من حيث المبدأ في إذكاء الروح بالإيمانيات وفضائل الأعمال والأدلة العلمية والبراهين الكونية المؤيِّدة لذلك، علَّها تؤوب عن غيِّها إلى رُشدها، ويفتح الله عليها بعد ذلك بالهداية التي هي بلا ريب بيد رب العالمين، ويشملها بالرحمة لتكون في عزة وسمو ومحبة منه جل جلاله، ولتعيش ما عاشت حية إلا وهي في صلاح وقرب من الله قائم، وكرامة واطمئنان من لدنه الدائم، ذلك أنه تبارك وتعالى لم يشرفنا بخلقه لنا عبثا؛ وبالتالي اقتضت سُنة الله أن لا يترك الجهلة والعابثون وغيرهم بدون تذكير وإعلام وإخبار ورحمة منا وهدى.

ارحموا من في الارض يرحمكم من فى السماء، لئلا يصير حالنا كما جاء في هذا الحديث الشريف الذي جاء عن النُّعْمانِ بنِ بَشيرٍ رضي اللَّه عنهما، عن النبيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ القَائِمِ في حُدودِ اللَّه، والْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سفينةٍ، فصارَ بعضُهم أعلاهَا، وبعضُهم أسفلَها، وكانَ الذينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الماءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا في نَصيبِنا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أَرادُوا، هَلكُوا جَمِيعًا، وإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِم نَجَوْا ونَجَوْا جَمِيعًا.

لذلك؛ من الأهمية بمكان عزيزي القارئ الحبيب، أن لا نترك أولئك الذين غرر الشيطان بهم ويتبعون خطواته في كل شاردة وواردة، سائرين في هذا الطريق، لأنه يجلب غضب الله وسخطه علينا جميعا، دون إلحاقهم بالصالحين رُويدا رُويدا، وجعلهم ضمن بيئتهم؛ فالله قادر على إصلاحهم وإصلاحنا، فقط نتوجه إلى الله بقلب رحيم ونوايا صادقة، رائدنا رحمة واسعة شاملة جامعة، لعل الله يرفع عنا بها المحن، وننال بعدها المنح.

ولما كان الأمر كذلك، فيجب علينا أن لا نتخلى عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والموعظة الحسنة، والأسلوب الجيد، والمعاملات والصفات النبوية لسيد الخلق أجمعين، شريطة أن نكون قبلا القدوة الصالحة، مُتبعين ((لا تنهَ عن خلق وتأتي بمثله، عار عليك إذا فعلت عظيم))، أما الغيرة على أعراضنا وشرفنا، فهي من صفات الرجل المسلم، وعلينا التحلي بها، ومن هم ينضوون تحت مسؤولياتنا الشخصية يتوجَّب علينا نُصحهم وصَونهم والمحافظة عليهم، كما أخبرنا بذلك ربنا تبارك وتعالى.

فهذا العمل المبارك -أي الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر- ليس عملَ الرُّسل والأنبياء والصالحين فحسب، بل هو مسؤولية الجميع؛ فنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أُرسل للناس كافة، وعذاب الله إذا نزل بأمَّةٍ أو بقوم، سيعم الجميع، وتتذكرون تلك القصة وهي أن الله تعالى أوحى إلى ملك من الملائكة، أن يخسف بقرية ما، فقال الملك: "يا رب، كيف أخسف بهم وفيهم فلان رجل صالح عابد"، فأوحى الله له أن به ابدا، والسبب كما ذُكِر أن وجهه لم يَتَمَعَّرْ غضبا لمحارم الله.

وكان رد سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- على السيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين -رضي الله عنها- عندما قالت له صلى الله عليه وسلم: "أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث"، يعني إذا كثُرت المعاصي، فيه ما فيه من التذكير بفداحة الذنب والمعصية، إن تعاظما وكبُرا وانتشرا واستفحلا، فلا إله إلا الله محمد رسول الله، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعليه أيًّها الأحبة بعد ذلك كله أفلا ترون أن الخبث قد كثر فعلا.

حقيقةً يا قارئي الحبيب، يا ليت أنَّ الأمر ينتهي عند أن لا نكون آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، بل إن الأمر أدهى وأعظم، ويتعدَّى ذلك إلى أن يحين يوم القيامة: "وقفوهم إنهم مسؤولون".

إذن المسألة عزيزي القارئ أنه بعد الممات هنالك وقوف بين يدي الله، سيكون مشهدا عظيما نكون فيه حُفاة عراة، تُدْنَى الشمس منا يَومَ القيامة مِقدار ميل، فسنُسأل وسنُحاسب، فإما إلى نار والعياذ بالله، وإما إلى جنة عرضُها السموات والأرض، فيها ما لا عين رات، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

فحريٌّ بنا أحبابي في الله، أن نعمل سويًّا من أجل ما يجعلنا في قرب من الله تعالى لطالما في العمر بقية؛ فقط نعزم الأمر ونتوكل ونعقد النية، والله جل جلاله سيعطينا.

كذلك أحبابي في الله، سيدنا وحبيبنا ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- هذا الرجل الذي كان همُّه وفكرُه عالميًّا، وكان يُرى غاديا ورائحا مهموما، ويُسأل: ما بالك يا رسول الله؟  فيقول: أمتي أمتي. صلوات ربي وسلامه عليه، قال في حديث آخر: إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه.

ختاما قارئي العزيز.. ليس سهلا أن يتحقق لنا ما نُريد دون مُجاهدة النفس والصبر على ذلك، والأخذ بالأسباب، والتوكل عليه جل جلاله؛ فالمولى عزوجل قال: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ".

تعليق عبر الفيس بوك