ناصر بن سلطان العموري
أخيرا اجتمع العالم على عدو مشترك، بعدما كان التنازع بينهم على أشده، جاء هذا العدو الفيروسي ليشغلهم بأنفسهم تحت راية واحدة، هي راية العلم والابتكار والاختراع، ولتلفت كل دولة لأهمية الطب والأطباء والممرضين وكل العاملين في الحقل الصحي بأنهم هم على خط الدفاع الأول الآن، وليس سواهم؛ فلهم كل التحية والتقدير والشكر الجزيل على ما يقومون به من جهد جهيد. وعند بداية انتشار الفيروس من سنة مضت، كان الرهان على الوعي المجتمعي؛ كون التسابق في صنع اللقاح لم يبدأ بعد، وكان اللوم والعتب لازدياد أعداد الوفيات والمصابين نتيجة فيروس كورونا من نصيب المجتمع وحده.
صحيح أنَّ هناك فئة محددة لم تلتزم بالإجراءات المتعبة رغم تشديد العقوبات، ولكن العدد الأكبر التزم ودفع ثمن استهتار البعض للأسف، بل وتعدى ذلك ليمس تراجع الاقتصاد وتأثر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والأكثر من ذلك أصحاب الدخل المحدود ممن يحصلون على دخلهم بالعمل اليومي، أو ممن يعلمون في شركات القطاع الخاص؛ فالبعض منها لا يرحم في استقطاع رواتب موظفيها بحجة عدم الاستفادة من الإغلاق، وهذا ما نشاهده عبر مقاطع الفيديو المختلفة لمن تأثر بالإغلاق سواء الكلي أو الجزئي، وما صاحب ذلك من قرارات صدرت عن اللجنة العليا وكان بلا شك هدفه واحدا؛ وهو الحفاظ على سلامة وصحة المجتمع واتخاذ الإجراءات الحازمة لعدم تفشي الفيروس.
ما إنْ هدأت الأمور بعض الشيء ورجعت وتيرة الحياة لطبيعتها وبدأ توزيع اللقاح باختلاف أنواعه على دول العالم، حتى فاجأ الفيروس البغيض الجميع بتحوُّره وظهور سلالة جديدة منه، يبدو أنها أكثر وأسرع عدوى، كما تشير إليه الدراسات الطبية، لتعود الأوضاع لنقطة الصفر، ويرجع معها تشديد الإجراءات وفرض القيود. ونتيجة لأن لكل أزمة ضحايا، فقد تضررت بعض الفئات التي ينبغي أن ينظر لها بعين الاعتبار من خلال تعويضهم التعويض المناسب فحالهم لا يعلمه إلا الله.
في اعتقادي يجب عدم تحميل المجتمع وحده سبب انتشار الفيروس المتحور؛ فالأكثرية في التزام تام بالقرارات الصادرة؛ من خلال تطبيق الإجراءات الاحترازية على أكمل وجه، لكن ينبغي أن يرافق ذلك توفير عدد كاف من اللقاحات على جميع سكان السلطنة من المواطنين والمقيمين، وعدم اقتصاره على فئات معينة فقط؛ فكان من المفترض أن يكون التطعيم ضرورة حتمية للجميع لا أولوية لبعض الفئات دون أخرى.
آخر إحصائية صادرة عن وزارة الصحة -عند كتابة المقال- توضح أن إجمالي المطعمين في السلطنة وصل الى 120878 شحصا، وهذا عدد قليل مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي، والتي وصل بعضها إلى المليون جرعة؛ وذلك بناء على الإحصائية الصادرة من قبل مركز الإحصاء الخليجي، وهذا لا يُشعرنا بالرضا بطبيعة الحال مع ازدياد أعداد المصابين والوفيات خلال الفترة الماضية من جانب، وتأخر استيراد اللقاحات الكافية بالنسبة لعدد السكان من جانب آخر، وهنا ينبغي التحرك سريعا لا سيما أننا وصلنا لعدد 1662 وفاة بسبب الإصابة بالفيروس، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة، وهذا الرقم للعلم يعد أكبر عدد للوفيات بين دول مجلس التعاون الست مقارنة بعدد السكان!
المطلوب الآن من وزارة الصحة جلب اللقاحات من كافة دول العالم بأسرع وقت ممكن تسمح به الظروف، ومهما بلغت الأثمان ولا مانع من استيراد أنواع أخرى، طالما يسرع ذلك من عملية التعافي وتقليل عدد الإصابات وتراجع الوفيات، لا سيما وأن أغلب اللقاحات المتوفرة عالميًّا باتت مرخَّصة طبياً، وتوزيعها على مجمل سكان السلطنة دون استثناء، وعدم انتظار اكتمال العينة المجدولة سابقا من كبار السن وغيرهم؛ فالوضع أصبح لا يحتمل التأخير، كما ينبغي فتح مراكز تطعيم في جميع ولايات السلطنة حتى ولو من خلال مراكز متنقلة تجوب الأماكن العامة والمأهولة، يرافق ذلك بالطبع حملات توعوية مكثفة من كافة وسائل الإعلام العمانية وفي جميع القنوات الإعلامية، ومنصات التواصل، عن أهمية التطعيم، وخلوه من أية أعراض جانبية، بما يبث نوعا من الاطمئنان، لاسيما لدى كبار السن والمترددين في أخذه.
نحن في مرحلة حرجة للغاية، وصحة المجتمع وسلامته ينبغي أن تكون على سلم الأولويات، حتى لو استدعى ذلك تأجيل بعض الاتفاقيات والمشاريع إلى حين.
حفظ الله عُمان وشعبها من كل سوء ومكروه.