العِلمُ.. مادة أم فكر؟!

إسماعيل بن شهاب البلوشي

العلم ليس ذلك الجزيء الدقيق الذي يحتاج إلى جهد لرؤيته ومعرفته والعمل به، وعلى الرغم من اعتقادنا ورؤيتنا المطلقة بأننا جميعاً في بصيرة ورؤية متكاملة، بل ودقيقة في معرفة العلم والحاجة إليه، إلا أنني ومع ذلك -ومن ناحية أخرى- لستُ على علم وإدراك كافٍ لماذا يتَّجه أكثرنا إلى هذه الرؤية ونجزم بالمعرفة؟

ولكي أكون أكثر وضوحاً، فإنَّ صاحبَ رسالة علمية مثلاً يأتي في نهاية بحثه ويعطي توصية رئيسية تقول: أوصي بـ"تطوير التعليم"، ومن هنا يبدأ الأمر المبهم في معرفة العلم والتعليم، وأنه وبمجرد توصية بتطوير التعليم سنصبح من أفضل الدول في التعليم! غير أنَّ ما ذُكر في حقيقته طموح وليس توصية، والطموح مَطْلَب مجتمعي؛ بل وإنساني في الكثير من جوانب الحياة، وليس التعليم فقط، ولقد أصبحت المناشدة رسمية ومن المجتمع؛ لذلك ومع كثرة المعطيات والكثير من الحديث حول العلم وتطويره، ذهبنا في بعض من هذه التوجهات بالبحث عن تجارب بعض الدول الناجحة في هذا المضمار، وأيضاً قد نكون في تغافل من كثرة البحث.

إنَّ النجاحَ في العلم له خصوصية بين الدول ولأسباب يطول شرحها، ولأنَّ الجميع يُدرك وبشدة الجزء الأول من الجملة "أهمية العلم"؛ فإننا ومن نفس المنطلق فتحنا أبواب النقاش والإدلاء بوجهات النظر ومن الجميع، وهذا مُطلقاً ليس في خانة الخطأ؛ فلا أحد يملك الإجابة الكاملة والنهائية لهذا الجانب الذي ترتقي به أمم وبسببه أيضاً نجد أممًا تتبع أمماً أخرى في كل ما تنتج بل وما تزرع، وحتى تصديق ما تقول.

ولأننا جميعاً نفكر في الحلول لمستقبل أوطاننا؛ فقد نكُون من خلال ذلك ذهبنا أيضاً إلى أبعاد غير واقعية مهما كان بُعد النظر، متناسين ما هو أقرب بكثير من ذلك البعد، وهو الأساس الذي لا يمكن أن يستقيم شيئاً بدونه، وهو المُعلِّم. وفي قراءتي الشخصية، فإنني أكررها، وباقتناع تام، أنَّ المعلم العماني هو واحد من أفضل معلمي العالم؛ فهو يعلم -وبآفاق بعيدة- أنه يعلّم ابنه وأخاه وجاره، ويدرك أن طلابه هم عماد الوطن وذخيرته. ومن جانب آخر، فإنَّ وزارة التربية والتعليم وفرت كل الأسس مثل المدرسة والوسائل العلمية التي هو بحاجة إليها لتوصيل العلم، غير أنني شخصياً أرى أن ما تم تناسيه وعدم التركيز عليه بما يستحق، هو تلك المساحة من الأفق اللامحدود للخروج من التحديدات النمطية التي تجعل من المعلم يقترب من كونه أداة تنفيذية لفكرة أو تجربة قديمة أو حديثة لفكرٍ آخر أو وطن آخر، وكذلك انتقال هذا الشعور إلى الطالب الذي لم تعُد المدرسة هي ذلك المكان المحبب والجميل له، وهذا ما قد يكون في عمق شعوره الداخلي دون مقدرة على التعبير بأنه رتيب وممل. وكأنَّ العلاقة مع الدرس والمدرسة شيء لا بُد منه ليس أكثر؟ وكذلك فإنني أرى أنَّ التغير في فكر الأجيال المتجدد مع العالم الرقمي في عمر الشباب وما حولهم، لم تتم مُسايرته فكريًّا بين المعلم والطالب؛ بل وقبول ذلك التغيُّر ومواكبته، كما أعتقد أنَّ تطوير التعليم ليس بالمواد العلمية؛ وإنما بتطوير طريقة التفكير وتغييرها جوهريًّا ضمن مساحة مناسبة خاصة لإبداع المعلم دون خوف أو حتى القليل من التردد.

لذلك؛ ولكي لا أذهب بعيداً، لأنَّ شرح الأمور يطول، فإنَّني أضع هذه التوصية للوزارة إذا قبلت لسيدي المعلم وسيدتي المعلمة، إنه وقبل بداية أي درس من أي معلم أن يخصص خمس دقائق لطرح سؤال به من الصعوبة الكبيرة للطالب في الصف الأول الابتدائي؛ مثل: لو كنت في الصحراء وتعطلت السيارة ولم يكن لديك ماء، فما هو الحل؟

سيتبادر إلى ذهن الجميع أنَّ السؤال أكبر بكثير من عُمر الطالب، غير أنني شخصيًّا -وعن تجربة- أعِدُ الجميع بالاستماع إلى إجابات مذهلة لن تكون محددة في معنى الإجابة بحجم ما هي مخترقة للأفق البعيد من الفكر والابتكار، وتكون حلقة وصل ومنافسة في أسلوب الإجابة، وإذا كان المعلم حاذقاً في أسلوب الرد والتشجيع والتصفيق لأي إجابة، فسيكون النظر إلى العلم والمدرسة مختلفًا تماماً، وسيظهر طالبٌ قد لا يكون مجيداً في الرياضيات مثلاً، غير أنَّه يملك نوابغ فكرية لا تصدَّق في مجالات أخرى لم يجد الوسيلة والوقت ليُظهرها. أما في الصفوف المتقدمة، فإنني أطلب أسئلة معاكسة مثل: كيف يمكن أن تساعد الطفل الصغير؟ وأسئلة أخرى لا حصر لها يحضِّر لها المعلم يوميًّا.

وبذلك الأسلوب، وإذا تم تبنيه رسميًّا -مستقبلا- كحصص، سنجد حلولا بطرق أكثر قرباً وأكثر إبداعاً وأقل تكلفة من طرق البحث الأبعد، مثل الاستعانة بالخبراء وبيوتهم، والذين أنا واحدٌ من المؤمنين بأنهم السبب الرئيسي -بل الوحيد- الذي يمكن أن يقود الأمة للتخلف وتضييع المال!!