أنْ نتصرَّف كما يجب.. لا كما نحب

 

د. رضية بنت سليمان الحبسية *

إنّ الحديثَ عن مفهوم المسؤولية المجتمعية يتسعُ ليشمل الأفراد أنفسهم، الذين يشكلون المجتمع، لا على مستوى المؤسسات والهيئات فحسب. ولطالما تحدّث وغرّد الخبراء والمختصون، أفرادًا ومنظمات بأهمية المساهمة المجتمعية المحلية والدولية؛ لتعزيز التضامن الاجتماعي والترابط العالمي. وبالمقابل هناك من الأصوات التي تُناشد المجتمع القيام بأدواره تجاه أفراده.

لكن، علينا أن نُدرك أنَّ التزام الأفراد بمسؤولياتهم تجاه المجتمع، هي التي تُشكّل مسؤولية المجتمع تجاه عناصره، بتكامل الأدوار، واحترام حقوق وحرية الآخرين. ويعتمد ذلك بطبيعة الحال على درجة وعي الفرد نفسه بمفهوم المسؤولية الفردية، والمسؤولية المجتمعية.

إنّ مسؤولية الفرد تجاه نفسه، عائلته، ووطنه يُعدُّ بؤرة التكافل والتماسك المجتمعي؛ للمحافظة على الحياة الاجتماعية واستقرار الوطن؛ ليتمكن الأخير من القيام بدوره من المُضي قُدما في التزامه بتحقيق حياة كريمة لأفراده ورفاه اجتماعي مُستدام. وهنا، علينا جميعا أن نتصرف كما يجب لا كما نحب، في تعاون وتكاتف لعبور وتخطي أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) بأقل الخسائر الممكنة، ونجاح خطط التوازن الاقتصادية بدرجة كبيرة. ومما لا يُعقل، بل ومن غير المقبول أن تكون هناك يدٌ تبني وأخرى تهدم، فالجميع سواسية أمام هذه المسؤولية المجتمعية؛ ليمضي المجتمع بكامل طاقاته أفرادًا ومؤسسات، يُسابق الزمن للوصول إلى مستقبل ينشده الوطن، ويترقبه مواطنيه بكل شغف وأمل.

ومما لا خلاف عليه، أنَّ الالتزام الأخلاقي يمثلُ ترجمةً لإحساس الفرد بالمسؤولية، ونابعًا من الشعور بالواجب تجاه الوطن بعناصره ومكوناته ومكتسباته، فيغدو الفرد اكثرًا إلتزامًا وأمانةً في استجابته للقرارات، والضوابط التي تحفظ النظام وتحقق الأمان، بموضوعيةٍ وبقناعةٍ ذاتيةٍ متفرّدة. والجديرُ بالذكر أنَّ تلك القيم والمبادئ، وتعزيز الجوانب الأخلاقية لدى الأفراد، هي نتاج التنشئة الاجتماعية الأولى، والتي تتمثل في الأسرة بالمقام الأول، فالمؤسسات التعليمية بالدرجة الثانية، فالإعلام ووسائط التربية الأخرى مجتمعةً ثالثًا.

... إنَّ عالمية أزمة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، وما أفرزته من آثار جمة على قطاعات ومجالات الحياة المختلفة، الأمر الذي يجعل من العمل الجاد والعاجل؛ لإنقاذ المجتمعات واقتصاد الدول بمؤسساته من الانهيار، مطلبا مجتمعيا ودعوات دولية. ومما يؤكد عالمية الاهتمام بالمسؤولية المجتمعية، انعقاد ندوة متخصصة في يوم السبت بتاريخ 20 مارس2021م، نفذها الاتحاد الدولي للمسؤولية المجتمعية، والذي عُنون بـ"نحو تمكين ممارسات المسؤولية المجتمعية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"؛ وهي دعوة ثمينة للاتحاد الدولي بين الأفراد والمؤسسات؛ لتوطيد العلاقة المهنية، وتبادل الخبرات، لتكون الممارسات وفق مرجعيات عالمية ومهنية، بما يضمن سيرورة التنمية الوطنية، وتحقيق التنمية المستدامة العالمية.

وفي خِضم الظرفية الحالية، وعولمة التأثير والتغيّر الاجتماعي في بيئات البلدان العربية والغربية، هناك الحاجة لمضاعفة الجهود الفردية والمؤسسية لبناء الإنسانية، وتعمير المجتمعات، عبر مبادرات فردية وجماعية، هيئات محلية وومنظمات دولية. وكلما كانت تلك المبادرات متنوعة وعابرة للحدود، مرجعيتها الإنسان العالمي، وعالمية الاقتصاد في ظل التنافسية العالمية، كانت النتائج تمكين مؤسسات المجتمع بأفراده نحو ثقافة المسؤولية المجتمعية، والمسؤولية العالمية.

وكما تحدثنا في أعلاه، بالدور المهم والرئيس في توعية المجتمع بأدواره في تحقيق التنمية الشاملة، تبدأ من المراحل الأولى لتكوين الإنسان، فإنّ تركيز مؤسسات التنشئة الاجتماعية بوسائطها المختلفة غاية عُظمى، لنشر الوعي بمفهوم المسؤولية المجتمعية بمفهومه الشامل والأعمق؛ وللمساهمة بمخرجات واعية بمسؤولياتها تجاه أوطانها، بدءًا بمراحل حياتهم الدراسية الأولى، والتأهيلية على حدّ سواء. وتأتي مؤسسات التعليم بأنواعه المتعددة في مقدمة تلك المؤسسات؛ نظرًا لطبيعة أنشطتها ومهمتها التعليمية والتدريسية، المتمثلة في المناهج الدراسية، والمشاريع التنموية، والأبحاث العلمية؛ للارتقاء بهذا القطاع على أيدي ناشئة مُدركة للمساهمة الفردية؛ لتحقيق التنمية المستدامة وفق هوية ثقافية ووطنية للبناء والتقدم بثقة.

وختامًا.. ليس هناك من هو معذور، أو مستثنى من المساهمة المجتمعية. وليكن ذلك نظير عضويته ومنسوبيته لوطن ينعم بخيراته ومنجزاته، وترجمة لمسؤولية وطنية نحو مجتمع يرتجي من أبنائه أن يكون جاهزًا تعليمًا وكفاءةً؛ للتوافق والتّكيف مع التّحول الاجتماعي والاقتصادي المنشود. مع الارتكاز على ثوابت تُراعي طبيعة المجتمع وخصوصيته، مع القناعة الراسخة بأهمية التوازن بين التنمية وتحقيق الرخاء، وعدالة توزيع الخدمات وشموليتها للجميع بين المحافظات، في إطار من الإرادة الذاتية والمنظومية؛ لتحقيق رؤية "عُمان 2040"، وفق ما أشارت إليه الرؤية ذاتها.

* أستاذ مساعد بقسم التربية والدراسات الإنسانية - كلية العلوم والآداب بجامعة نزوى

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة