ضريبة سوء الإدارة

 

د. محمد عامر العمري

لفتَ نظري في أحد مواقع التواصل الاجتماعي شخصٌ يتكلم عن ضريبة سوء إدارة الخدمات في منطقتنا العربية، والتي تكاد تكون ظاهرةً عامة؛ حيث قال إن ذهابنا للمستشفيات الخاصة قد يكون نتيجة طبيعية لعدم جودة الخدمة المقدمة من المستشفيات الحكومية، كذلك سفرنا للعلاج نتيجة عدم وجود علاج أو تشخيص لما نمر به من وعكات صحية لا نجد لها حلولا في بلادنا.

وبالتالي ذهابنا للمستشفيات الخاصة والسفر للعلاج على حسابنا الشخصي ما هو إلا نتيجة سوء إدارة الخدمات الصحية لدينا، كما أنَّ الدفع بأبنائنا إلى المدارس الخاصة نتيجة طبيعية لسوء خدمات التعليم لدينا؛ فالتعليم الحكومي لو كان بالجودة التي نتمناها لما ذهبنا للمدارس الخاصة، ويتم القياس عليها في بقية الخدمات التي نتوجه فيها للقطاعات الخاصة بدلًا من العامة نتيجة تردي الخدمات في بعض الأحيان.

هنا.. سوء الإدارة قد ينتقل من المؤسسات العامة إلى الشركات الكبرى؛ سواء كانت عامة أو خاصة، ففي إحدى الدول كانت شركة كبيرة ذات فروع منتشرة في مختلف أنحاء هذه الدولة، وأحياناً في المدن الكبرى فروعها بالعشرات، حيث نمت الشركة وتطورت نتيجة للسلع والخدمات التي تقدمها. ومع التغير المستمر، ظهرت نوعية من القيادات العليا التي تحسب على مالكي الأسهم في هذه المؤسسة، والكثير منها قد لا يكون بنفس الكفاءة التي ظهرت عليها القيادات الإدارية السابقة؛ وكان من سوء الإدارة الجديدة في هذه المؤسسة أنه تم إغلاق بعض الفروع في بعض المدن، رغم أنَّ هذه الفروع لا تسجل خسائر، والسؤال المحير هو: لماذا أغلقت مثل هذه المنافذ لهذه المؤسسة المؤسس مع ما تحققه من أرباح؟ قد تكون بعض الأرباح ليست كبيرة، لكنها تظل في خانة الأرباح، والمشكلة أن في حالة إغلاق مثل هذه المنافذ فإنها ستترك مجالاً للشركات المشابهة لها، وسوف تتنازل عن حصتها في السوق في هذا الجزء من المدينة، وهذا ما يجعلها تفقد مكانتها وزبائنها للمنافسين.

فأيُّ عقلية هذه التي سُلمت لها إدارة هذه المؤسسات؟ وكيف ستتطور هذه الشركات الكبرى في ظل وجود مثل هذه العوالق الإدارية التي بدلا من أن تسعى لتطوير الشركة وتسهم في رفع الأرباح، حاربت أماكن تواجد الشركة، وأخلت بتنافسها في السوق المحلي، كما تركت حصة من السوق بحجة إعادة الهيكلة، التي لا يفقهون فيها شيئا سوى المصطلح؛ فلا ترشيق لمنافذ ذات عائد مادي مربح مهما كان بسيطا.

المشكلة هنا ما دمت تنازلت عن حصة من السوق للمنافسين سوف تفقد توازنك مع الزمن وتجد الأسس والقواعد بدأت تهتز، فكلما فقدت زبائنك تفوقت عليك الشركات المنافسة وقدمت العروض والخدمات لجلب الزبائن.

وفي الأخير، مثل هذه الحالات قد يكون الهدف منها تحقيق مكاسب مادية فردية لبعض من المتنفذين أو الإبقاء على الامتيازات التي يحصلون عليها ضمن مبادرات تصطبغ بألوان المسرحيات الهزلية؛ من أجل أن توهم من بيده السلطة بالحفاظ على هذه الثلة ممن يديرون المؤسسة بالبقاء في أماكنهم وتظل امتيازاتهم كما هي، على الرغم من فشلهم الذريع في إدارة المؤسسة التي تفقد حصصا لها في السوق وتتنازل عن منافذ المنافسة على الزبائن من أجل المحافظة على تواجدها.

وتنتشرُ مِثل هذه العقليات في كثير من المؤسسات والأدلة عليها كثيرة؛ فإخفاق الشركات الضخمة في تحقيق عوائد كبير، ما هي إلا نتيجة عدم وجود الكفاءة الإدارية الجيدة، وإلا ما تمكنت شركات منافسة صغيرة من احتلال مكانها في السوق؛ وبذلك تتنامى أرباحها على حساب المؤسسات ذات "عقول الفشخرة" التافهة غير المنتجة.

وأخيراً.. لا نتمنَّى أن تكون ضريبة القيمة المضافة ضمن ما يطلق عليها ضريبة ناتجة عن سوء الإدارة؛ فالأوضاع لا تتحمل وجود ضريبة دخل في مثل هذه الظروف الصعبة.

تعليق عبر الفيس بوك