ناصر بن سلطان العموري
ما دعاني لكتابة هذا المقال مقطع الفيديو استوقفني عن كيفية سهولة الإجراءات وتيسيرها في إحدى الدول الأوروبية، وجعلني أُعنون المقال بعنوان "عندهم.. فهل عندنا؟"، كتعبير مجازي بالطبع، لن نتلكم هنا عن مكانة تلك الدولة تاريخيا ولا عن السياحة الجميلة فيها وما تحتويه من مناظر خلابة؛ كسائر جيرانها، ولا عن الرياضة وإنجازاتها، ولا عن الصناعة وتطورها، ولا عن جمال الحياة فيها، والعيش الرغيد بها، وكأنك تعيش في جنة الأرض، ولا عن العلاج والرعاية الطيبة المذهلة، لكن سوف نتحدث عن تعاملها مع مواطنيها وقاطنيها ومنهم رواد الأعمال، ومراعاة ظروفهم خلال فترة جائحة كورونا، والتسهيل عليهم من خلال دعمهم وتشجيعهم والسرعة الصاروخية في الانتهاء من إجراءات الاستثمار لديهم فلا تعقيد ولا تهويل.
فإنْ كُنت من مواطني تلك الدولة وتعرضت للإصابة بفيروس كورونا، وتقديرا لظروفك، فأنت معفيٌّ من دفع الإيجار، وإذا كنت صاحب مؤسسة تجارية وتعثرت شركتك فأنت معفيٌّ كذلك من دفع الضرائب والحكومة سوف تتكفل بدفع رواتب الموظفين لديك.. من تابع المقطع، سوف يعرف كيف استطاعت تلكم الدولة أن تنعش اقتصادها في ظل الجائحة، شيء مدهش فعلا، لا يصدر إلا من خلال عقول راقية واعية، هدفها رقي مصالح بلدها وتقدمه، لا التفكير في مصالحها الشخصية أحادية الجانب!
وإذا أسقطنا مقطع الفيديو على واقع الحال لدينا في السلطنة رغم فارق الإمكانيات -كما هو معروف بالطبع- فماذا قدمت الدولة للقطاع الخاص، وتحديداً لرواد الأعمال من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ممن تأثرت مشاريعهم خلال جائحة كورونا من تسهيل ومساعدة، والكثير منهم من أغلق مشروعه وتكالبت عليه الظروف، من ديون ومستحقات مالية. وكما هو معروف قامت اللجنة العليا المكلفة ببحث آلية التعامل مع التطورات الناتجة عن انتشار فيروس كورونا، خلال فبراير الماضي، بإصدار قرار يتعلق بالحد من الآثار الاقتصادية لجائحة كورونا (كوفيد 19) ولتقليل الأثر المالي على أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ حيث قرَّرت تمديد تأجيل سداد أقساط قروض هذه المؤسسات والمستحقة الدفع لصندوق الرفد (سابقا) للفترة من 1 يناير 2021م وحتى نهاية يونيو 2021م، وتقديم تسهيلات للمستفيدين من برنامج سند وموارد الرزق (سابقا)، ومن قبله ما أصدره البنك المركزي خلال السنة الفائتة 2020م من تعميم للبنوك العاملة في السلطنة بتمديد سريان الحزمة التحفيزية للانتعاش الاقتصادي والتسهيلات التي تمَّ إعلانها في 18 مارس الماضي فيما يخص قروض المتأثرين بتداعيات جائحة كورونا لمدة 6 أشهر جديدة؛ بحيث تستمر حتى نهاية مارس 2021 هذا عن القروض الحكومية.
لكن، ماذا عن القروض في البنوك التجارية، فكما علمت من أحد أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أن تأجيل القروض صاحبته فوائد كبيرة، وكان الأجدى أن تتحمل الدولة على الأقل تلكم الفوائد أو تكون بفوائد معقولة مُراعاة لظروفهم التى يعلمها الجميع، وكيف هي الحال بالنسبة للإيجارات المتراكمة نتيجة الإغلاق المتكرر للأنشطة التجارية.
أتمنى أن يتم حل هذا الملف الشائك دون اللجوء للجهات القضائية وهي آخر الحلول؟ والسؤال هنا: بعد كل هذا، هل استفاد أصحاب المؤسسات من التسهيلات سالفة الذكر من تلك القرارات على أرض الواقع؟ وهل أسهمت بتخفيف خسائرهم ولو بشكل جزئي؟ وهل توجد في الأساس خطة إنعاش اقتصادي للقطاعات المتأثرة خصوصا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة؟
المبادرات التي تمَّ إقرارها للوقوف والتضامن مع أبنائنا وإخواننا من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في اعتقادي ليست كافية، وكان الطموح والمأمول أكثر مما ذُكر؛ كون الأقساط لا زالت قائمة وقد تزيد بازدياد فترة الجائحة، ومن هنا نناشد اللجنة العليا التوجيه بإعفاء أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من القروض المترتبة عليهم تقديرا للوضع الراهن، على الأقل بالنسبة للقروض الحكومية، ودراسة إمكانية تقديم دعم مالي لأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وهذا أمر تحقق في بعض الدول ممن تأثرت المشاريع فيها وتوقفت اثناء الجائحة، ومثل هذا القرار سيكون بمثابة التضامن مع أصحاب تكلم المنشآت من العمانيين الذي يعتمدون عليها بشكل أساسي، وتمثل مصدر رزقهم، لا سيما مع ما يشهده العالم أجمع من اجتياح للموجة الثالثة للفيروس، والمواجهة الضروس التي تقودها دول العالم، وما صدر من قرارات من قبل للجنة العليا مؤخرا في هذا الشأن كلها مؤشرات تدل على أن الوضع الوبائي القادم ربما يكون غير مستقر، والحالة العامة لم ولن ترجع لعافيتها في الوقت الراهن، وهذا ليس تشاؤما، لكن رؤية واقعية بناءً على المشاهدات اليومية، نعم نقول إن التفاؤل مطلوب، لكن الواقعية يجب أن تكون هي الفيصل!