عيدٌ للأم.. وعيدٌ للأب

أنيسة الهوتية

يعتقد الأغلب أن "عيد الأم" بتاريخ 21 مارس هو ابتكار أمريكي، أو أنها حملة صليبية انتشرت في الوطن العربي مع مطلع القرن العشرين، ولكنَّ الأمريكيين يحتفلون بالأم في ثاني يوم أحد من شهر مايو، وذلك احتفالاً بالأمهات اللاتي طالبن بنزع السلاح والعيش بسلام وأمان لأبنائهن بعيداً عن الحروب والتجنيد في عام 1872م. وظلت "جوليا وارد" تطالب بتثبيت هذا الاحتفال تحقيقاً لحلم الأمهات إلى أن أقر الرئيس الأمريكي "توماس ويلسون" بجعل ثاني يوم أحد من شهر مايو عيداً وطنيًّا رسميًّا للأم الأمريكية في عام 1914م التاسع من مايو وكان ثانِي يوم أحد في حينه، والنتيجة تلك بسبب إصرار "آنا جارفس" أن يكون هناك يوم وطني يُكرِمُ الأُم. وأصبح للأم الأمريكية يوم، ولكنه ليس 21 مارس!

ومثله، هناك تواريخ مختلفة للاحتفال بيوم الأم؛ ففي جنوب إفريقيا الأول من مايو، وفي إندونيسيا وما يجاورها في 22 ديسمبر، والأرجنتين 3 أكتوبر، والنرويج 2 فبراير، وغيرها الكثير من التواريخ المختلفة لكل دولة، وحضارة.

والإحتفال بيوم الأم ليس حديث العهد، بل هو قديمٌ  مُتجدد بصورٍ مختلفة حسب الحضارات والثقافات التي تحتضنها لأسباب ومسببات كثيرة، وهي موجودة منذ القِدم في الحضارة الإغريقية، اليونانية، الرومانية، الأترورية، الإسكندنافية، القوقازية والكردية، وأيضاً الفارسية بذات التاريخ 21 مارس، ولكن بمسيات ورموز مختلفة؛ منها: عيد النوروز أو النيروز ألا وهو عيد رأس السنة الفارسية وكذلك عيد الربيع، وبالمسمى القديم هو عيدُ الطبيعة الأم لصحوتها من سُباتها وإعادة الأرض للحياة بالزراعة ونشاط المخلوقات في التناسل وسهولة الحياة بعد خروج الشتاء الأخير الذي هو مدخل الربيع. وَفي عِلم الفلك القديم 21 مارس هو رأس السنة النجمية وذلك بارتفاع مجموعة برج الحمل إلى السماء، وتقويم السنة النجمية كان المأخوذ به في أغلب الحضارات القديمة ومنها الحضارة البابلية، والفرعونية، والأكادية، واستخدموها لتطوير الزراعة وأساليب التسميد والري حسب المواسم، وأيضاً لتزويج الحيوانات والتناسل.

وفي ميثولوجيا الحضارة الرومانية كانوا يقدمون القرابين ويقيمون الاحتفال لإلهَتِهم "سيريس" الموكلة بالأرض والزراعة، وفي الحضارة اليونانية كان الاحتفال مشابهاً لإلهِهم "ديميتر"، وفي شرق آسيا كانوا يقيمون الاحتفال للشمس، وبعضهم للأرض والطبيعة الأم، وبقي الاحتفال بعيد الأم في نفس التاريخ ولكن تحولت صورة الأم من إلهة، إلى الشمس، الأرض، الطبيعة الأم، كرموز عن الأمومة حتى وصلت إلى الأُم البشرية التي أنجبت ورَبَّت وَوهبت شبابها، وصحتها، وجسدها، وسعادتها لأطفالها، وتحملت كل أنواع المشقات لأجلهم.

أما عن كيفية وصول هذه الفكرة إلى الشرق الأوسط، والعالم العربي والإسلامي! فإنها أتت بالتحديد من مصر كأولى الدول العربية الإسلامية التي بدأت الاحتفال بعيد الأم، وبتأثير من فكرة كتبها الكاتب علي أمين في عموده الخاص قائلأ: "لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه (يوم الأم)، ونجعله عيداً قومياً في بلادنا، بلاد الشرق؟"، وبعدها في عمود آخر: "ما رأيكم أن يكون هذا العيد يوم 21 مارس، إنه اليوم الذي يبدأ به الربيع وتتفتح فيه الزهور وتتفتح فيه القلوب!".

وعَلى غِرار علي أمين، سأكتب: لماذا لا نتفق على يوم من أيام السنة نطلق عليه (يوم الأب)، ونجعله عيداً قوميًّا في بلادنا، بلاد المشرق؟، فلولا الرجل-الأب، لما أصبحت المرأة-أُماً، وتكريم نصف المجتمع مع تهميش النصف الثاني عُنصرية! المُساواة مطلوبة للتوازن بين كِفتيْ الميزان عدلاً وإنصافاً. وحتى لا نُباعِد الأيام ونجمع الاحتفال بالأب والأم في يومٍ واحد فإنه بالفعل عيدُ الأبِ العالمي في 19 مارس سيكون مناسباً للاحتفال بهما سويًّا بكعكة واحدة.