يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"المجتمع الذي ينكر وجود مرضٍ فيه، هو كالمسلول الذي ينخرُ المرضُ في رئتهِ ويأبى أن يستمع إلى ما ينصحه به الطَّبيب" - علي الوردي
*****
لسنا استثناءً عن بقية الأمم، في بيئتنا تتجمع جميع التناقضات: الوداعة والحماقة، الأمانة والبهتان، لا نزيد على أحد، ولا ننقص عن أحد من بقية الأمم، الأكيد لسنا ملائكة، فينا من أضواء النور، ومن عتيم الليل، فينا المتصالح مع نفسه، وفينا المتناقض !
خلطة فلسفية لا جوابَ تصل إليه، وميناء ترسي عليه، الأسئلة المتجددة دوما ودائما، تحاصرنا متواليات الفخر، والاعتزاز بالشيء وبدون الشيء، ونلعب على وتر التباينات العرقية، ونقترب من وصف أنفسنا "شعب الله المختار"!
مع أننا لو نلاحظ، سنجد أنا نمتلك عقيدة ربانية ذات منظومة أخلاقية معتبرة، وأقصد أننا مسلمون يفترض أننا نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، بشكلها الحقيقي وما أمرنا به الشرع، لكننا إلا من رحم الله نتجاهل أوامر المعروف ونجتمع مع نواهي المنكر، تجد فينا الكِبر والكبير هو الله رب العالمين، وتجد فينا القفز والتحايل على القوانين، بل وتجد من يفسر القوانين بحسب هواه، إن سارت مع مصالحه وما يرغب قال هذه طاعة ولي الأمر، وإن لم تتواءم معه قال إنَّ المسألة فيها قول أو قولان وأن الموضوع مباح، انظر حولك وستفهمني، وصلنا إلى زمن أصبحت فيه طاعة ولي الأمر التي يدعيها وكأنها زر تشغيل وزر إيقاف (On- Off).
نعتز بأهل الرفق بالحيوان في ديار الغرب، ونستهجن وجودهم في ديارنا، بل يصل الأمر أن يكون المهتمون بذلك عُرضة للتندُّر ووضعهم بقوالب كوميدية تزدحم بالازدراء، واقعيا كأن الكثير من أفراد مجتمعاتنا يعيش بشخصيتين متناقضتين، ندعي كل فضيلة ونناقضها!
حتى حقوق المرأة -ويا عيني على بعض الادعاءات المضحكة- بالأساس المرأة في مجتمعاتنا ليست بحاجة للحركات النسوية المتطرفة أو حركات التجديد الاجتماعي التغريبية؛ لأنها أصلا متمتعة بكثير من الحقوق وأولها الحقوق داخل العائلة نفسها؛ فللأم مكانة لا يصل إليها أحد، وللأخت وللزوجة والبنت وحتى الزميلة في العمل، لا شك توجد ملاحظات بشأن تلك الحقوق وهي بالواقع ليست حصرا على المرأة، بل حتى الرجل يعاني الأمرَّيْن، الحال من بعضه، لكن بسبب بعض العادات والتقاليد ولا أقول الأمور الشرعية ولا حتى القوانين، أصبحنا بحاجة لملء بعض الفراغات لحقوق أكثر؛ لأن الحقوق بالحقيقة حاضرة، والمرأة خاصة في دولنا الخليجية وصلت إلى أعلى مراتب ممكن أن يحصل عليها إنسان، وتستحق الأكثر فهي ابنة البلد ولها كل الحقوق مثلما عليها كل الواجبات؛ لذلك ضرورة التعامل مع قضايا المرأة بالذات بعيدا عن السياسة ومنظمات الضغط الدولية التي لا تأتي محبة، بل لمصالح غير خافية على أحد؛ لأن مكانة المرأة أرقى بأعين الجميع من أي شيء.
وفي رأيي البسيط، أنَّ مُجتمعاتنا تحتاج ثورة اجتماعية وليست سياسية، نحتاج جهودًا كبيرة لربط المجتمع ببعضه، ونبذ العنصرية والطائفية؛ فمثل ما سبق قد يقود حتى للولاء الخارجي، نحتاج نشر ثقافة المواطنة الحقة، كل مواطن لا يختلف عن الآخر إلا بمقدار ما يقدمه لبلده من علم وإنتاج، وكذلك تفعيل القوانين وإضافة كل ما شأنه يقضي على البطالة ويفتح أبوابَ فرص العمل؛ لأنَّ الإنسان بلا عمل قد يكون مشروعَ مجرم، وفتح باب العمل يحوله لعنصر منتج وفاعل في الدولة، ينفع نفسه وعائلته ومجتمعه، لسنا مجتمعا ملائكيا بالتأكيد، لكن لا يمنع من الدأب والمحاولات؛ لأنَّ التغيرات الاجتماعية هي من يفتح آفاق المشاركة السياسية النافعة للمواطن حتى يدخل السياسة بعقل متفتح ليس محسوبا على قبيلة أو طائفة، بل محسوبا على الوطن.. هنا يستفيد الجميع دولة ومواطنين، صحيح توجد تجربة ديمقراطية في الخليج، لكنها ما زالت تحتاج تصحيحا لعدد من مساراتها حتى تنضج، وهي تجربة راقية ومميزة في الكويت، وأتمنى أن تنتشر في دولنا مع الأخذ بالاعتبار طبيعة كل دولة، كذلك تجاوز الأخطاء والحرص على العمل بحسناتها.
دول مجلس التعاون الخليجي هي دول مسالمة، وتسعى للسلم الدولي، وتقدم إسهامات مشكورة لرفع شأن الإنسان؛ لذلك وحرصًا على استمرار هذه التجربة المميزة، علينا تقويم التجربة بين فترة وفترة لتعم الفائدة أكثر؛ فالمواطن الخليجي يستحق الأفضل.