أفكار قهوتي

فاطمة الحارثية

اختلقَ الإنسانُ الكثيرَ من الحالات عبر العصور ليحقِّق التمييز والعنصرية بكل قوته ولا يزال، فلقد أوجد الطبقية، وأوجد القبلية، وأوجد العبودية، وأوجد التمييز الجسدي والجنسي، وأوجد التمييز العلمي، وأوجد التمييز المالي والتمييز المجتمعي والديني والفكري والكثير الكثير. بماذا انتفع الجمع من هذا الصُنع؟ وهل صنع سلاما إنسانيا أو حضارة؟ أترك الإجابة للعقول الراقية.

الحظ.. تلك المفردة التي يسعى إليها خلق الله مع اختلاف أجناسهم وألوانهم وأديانهم، وأتت في الذكر وفي كُتب الأوليين والآخرين ونتداولها في معظم أمورنا، ولا يربكني ذكرها عموما إلا عند قراءتها في هذه الآية: "يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"، عندما يُريد الله شيئا فهو بيّن ويكون.

لا يوجد ارتباط حقيقي بين العدالة والمساوة، بل العدالة أقرب للاجتهاد، فالاستحقاق يكون حسب الجهد والأداء، وليس فقط لأنه وجب أن أتساوى مع هذا أو ذاك، وما تخلقه المنصات الاجتماعية من احتدام حاد في منظومة ومفهوم العدالة الاجتماعية، هو خرق للطبيعة وتزيف للحقائق ونهب للحقوق، فهل يستوي بين من يعمل ويُبادر ويبذل، وبين من ينتظر أن تتأتي إليه الأمور بصوته العالي والتذمر؟ فقط لأنهما يحملان ذات المؤهل أو ينتميان لذات الجهة أو ثمة عامل مشابه بينهما؟

الخطة المرنة، هي أن تُشكل معتقدا وتعيش عليه، بحيث يبقى معيارا أساسيا في داخلك، مهما تغيرت الظروف من حولك، وتعيش مُتع الحياة بلا تردد وتستلذ بكل طيب وتتمتع بكل جميل، وتُرفه عن نفسك، منطلقا نحو حياة كأنها خالدة، رغم حقيقة أنها زائلة وموتك محتم قبل زوالها، دون الإخلال بالمعيار أو تجاوز الحد.

ومع التداول المُفرط في المنصات المختلفة حول خطورة القوانين الوضعية، ثمة حقيقة واضحة وإن ضمرها البعض، وهي أنَّ القوانين الوضعية لا علاقة لها بعملية هدم الأسر على مستوى العالم؛ فحال الانحلال ليس موجودا في الأسر العربية أو المسلمة وحدها، بل هي أزمة إنسانية عالمية وإن اختلفت الأسباب قد يكون المال والطمع أساس تلك الأسباب؛ فالقوانين الوضعية لم تُؤخِّر الزواج بل غلاء المهور، والمسمى الوظيفي ومستوى الشهادة وتكاليف الحفلات وأيضا تلك القوانين لم تصنع أو تفتح مجالا للفساد، بل شروط الزواج و"نظرة المجتمع" فعلت ذلك، فلا يُخفى على أحد قوائم الطلبات قبل الزواج، والمسؤولية التي باتت فردية في تربية الأطفال والاشتغال بالمظاهر بعد الزواج، كلها أمور تُثقل كاهل الفرد فيعزف عن تكوين أسرة شرعية أو يتأخر في ذلك.  

لا تكمُن المشكلة فيما يتوقعه الناس منك، بل أن تفكر أنت في ذلك وتعيش حيوات الآخرين وليس حياتك وذاتك، فبمجرد أن تطرح على نفسك سؤال "ماذا يُراد مني؟ أو يُتوقع مني؟"، فإنك تعزل نفسك عن طبيعتها، وتقبل غزو الآخرين لخصوصيتك، وتُعلم شخصك إلقاء اللوم على الآخرين ورفض المسؤولية أو تحملها.

الفهم الحدسي، هو القدرة على إيجاد الصواب والصحيح في ظل معطيات وحالات مُعقدة، وقد يكون الحل منافيا للوقائع والمنطق، مما يجعله مشوقا للباحث والمتابع ومرفوضا للإنسان العادي، نجد هذه القدرة لدى القليل من الناس.. من وجهة نظري هي ملك للنخبة، وتُوجد عند أصحاب العقول والقلوب الصافية والنقية والعادلة، كما أنها ممتعة للمتابع والمهتم والواعي، وإدراك الإنسان العادي لمثل هذه العقول قليل جدًّا، ويكاد يناهض هذا الفكر، حتى إن البعض يُحاربه.

كثيرا ما سمعنا صوت الاستنكار في جملة "هذا سهل جدا!"، وكأن الحياة مكتوبة بطلسم وشقاء وصعوبات، والحاجات الإنسانية جُملة هي بسيطة وسهلة إذا تقبلنا فكرة الصبر وأدخلنا الوقت في أية عملية أو أداء، سواء في الحياة الشخصية أو العملية أو الاجتماعية، كل الأمور سلسة وسهلة إذا أردنا ذلك.     

*******************

سمو:

أحيانا لا تعلم لماذا قُلت ما قلته، لا تعتذر بأنك لم تقصد، لأن اللاوعي حكم الموقف وأخرج صدقَ ما في جعبتك من مشاعر.. تقبَّل ذاتك كما هي، وعش قَدَرَك بهدوء.