د. علي حبيب اللواتي
تطبيق ضريبة القيمة المضافة على المجتمعات في أنحاء بلدان العالم يعدُّ من التجارب السلبية؛ فبعد تطبيق هذه الضريبة صارت كخيوط العنكبوت، وإن بدت واهنة، لكنها خنقت كل المجتمع مع حكوماتها!
وهذه الضريبة هي وصفة علاج مسمومة يفرضها صندوق النقد والبنك الدوليين، وهما أداتان استعماريتان أوجدتهما الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، فجُلُّ ظاهرها مساعدة البلدان ذات الاقتصاد الهش الضعيف وتعيش على القروض لدعم مشروعات التنمية الداخلية، أما باطنها فهي لزعزعة الأوطان وتواتر وتراكم ديونها، ثم السيطرة عليها.
فمن طريقة تركيبة ضريبة القيمة المضافة يتبيَّن أنَّها تُفرض بنسبة عالية، قد تصل إلى 22%، في أكثر الدول، وتبدأ بمقدار 3% إلى 5%، وترتفع تركيبيًّا من خلال مرور السلعة المنتجة أو الخدمات المقدمة للمستهلك بسلسلة إضافات أثناء مرحلة التصنيع حتى تصل إلى يد المستخدم النهائي وهو المستهلك (أنت وأسرتك) .
في البداية تُفرض من خلال إصدار تشريع قانوني مُلزِم لتطبق على بعض السلع الكمالية، والمنتجات الضارة كمنتجات التبغ والدخان بأصنافها، والمشروبات الغازية والمشروبات الكحولية، ليستأنس الناس بمشروعية فرضها كمرحلة أولى، ولكن سرعان ما تمتدُّ إلى كل السلع التي تحتاجها لمعيشة الأسر اليومية، ولجميع أفراد أسرتك كمرحلة ثانية وثالثة.
وتركيبتها أخطبوطية تُفرض على كل مكونات عمليات الإنتاج للسلع والخدمات، وعلى سلسلة التوريد كالتجار المستوردين والموزعين والبائعين في محلات التجزئة حتى تصل إلى يد المستهلك، وقد أضيفت إليها في كل مرحلة رسوم ضريبة محددة؛ فيدفعها المواطن نيابة عن سلسلة التصنيع والتوريد في نهاية الأمر، فتتراكم لتصل إلى 25 % وأكثر، وهي بالظاهر المعلن 5% فقط.
لا شكَّ أنها تُدر دخلا كبيرا للحكومات، ويتمُّ ذلك من خلال تشريعات تأخذ صِبغة قانونية ملزمة يعاقب من يمتنع أو يخالف تطبيقها أو يحاول أن يلتفَّ عليها ليس حُبًّا في مخالفة القانون؛ بل ليتمكن من أن يعيل أسرته.
وتتراكم كل تلك المبالغ في خزينة الحكومات، ويزداد بالمقابل الإسراف الحكومي والهدر المالي غير المبرر، واستمرار أنماط التعاقدات غير المجدية، وغلبة روح المباهاة على روح التوازن والترشيد أو حتى روح الاعتدال في جميع أنماط الاستهلاك غير المبرر؛ كالاستمرار في شراء السيارات الفاخرة والتأثيث الفخم والمقررات والمباني للحكومات ذات النجوم الفندقية العالية.
لكن كيف يحدث ذلك؟
بكل بساطة.. حينما تغيب الرقابة الفاعلة بصورة أو أخرى، لمنع مختلف أنواع الصرف الجائر دون ضوابط، إلى جانب الصرف الاستهلاكي غير المبرر وغير المنتج، وحين تكون الجهة الرقابية لا تملك إقرار الميزانيات؛ وإنما فقط يطلع ويُبدي ملاحظاته عليها دون أن تكون له القدرة على الاعتراض النافذ الملزم لطرف السلطة التنفيذية لتوقيف العمل بها واستبدالها كليا أو جزئيا، وكذلك عندما يكون عاجزا عن محاسبة ومساءلة أعضاء الجهاز التنفيذي فعليا، وحينما لا توجد هناك سلطة مراقبة نافذة لها صلاحيات واسعة لتراقب أداء السلطة التنفيذية، فلا يمكنها أن تعترض على شكل وتركيبة الموازنات، وصولا إلى مرحلة إقرارها، ومرحلة تنفيذ الصرف الفعلي لها، وليس لها القدرة على نزع الثقة من أعضائها بعد مناقشة تقاريرهم!
ومن تأثيراتها على الاقتصاد سلبا مركبا؛ أن تتدحرج السلبيات كتدحرج كرة الثلج، وتتراكم لتسد منافذ التطور والتقدم ودوران العجلة المالية والتجارية والاقتصادية للبلدان!
ومن شواهد ذلك -ولا حصر له- أنَّ هذه الضريبة تؤدي لارتفاع أسعار السلع والخدمات المتاحة للجمهور، فتزداد نسبة التضخم لدرجة تنفقد بمرور الأيام القدرة على السيطرة على التضخم إذا انطلق من غمده.
وينتج عن ذلك التضخُّم الحاد لأسعار السلع والمنتجات والخدمات المقدمة للمجتمع، انخفاض حاد مضاعف للقدرات الشرائية للأفراد والأسر وعموم التجمعات البشرية، لعدم قدراتها المالية لمقابلة ذلك التضخم، فتبدأ (أيضا) بالأخذ بالأساليب الاحترازية من عدم الشراء الضروري والتقليل منه وذلك لمواجهة ما هو أسوأ وقادم.
فالعلاقة عكسية وليست علاقة متحدة، وينعكس ذلك بدوره على انخفاض في الإنتاج الصناعي والزراعي في الدول المنتجة، وكذلك التباطؤ في وتيرة استيراد التجار للسلع في الدول المستوردة؛ وذلك لعدم قدرتهم على تسويقها داخليا لضعف وانخفاض القدرات الشرائية للسكان.
فتتأثر أرباح تلك الشركات لدرجة تضطرها لأن تقلل من أنشطتها ولتحددها بمستويات أقل، فتعمد أولا دون تردد إلى تسريح موظفيها، والمثال واضح وجلي كما هي الحال في السلطنة ودول الخليج؛ حيث يتعرض المواطنون للتسريح وإنهاء الخدمات، فيزداد تدريجيًّا التسريح، فتفقد الأسر قدرتها على تأمين الاحتياجات الضرورية، فلا يعد توفير تناول البسكوت حينها له معنى بعد فقد القدرة لتناول رغيف الخبز الأساسي، فيترحم بعدها الجميع على الأيام الماضية.
والنتيجة النهائية تجمُّد عجلة السوق وانتشار الفقر وحدوث الكساد الأعظم!
لقد ثبُتَ من تجارب بعض الدول أن سلببات تطبيق ضربية القيمة المضافة أكبر وأعمق أثرًا في المجتمع وعلى حركة التجارة بصورة عامة، وتعطيل لعملية تطوير لجوانب إقتصادية تفكر الحكومات في إيجادها وتنويعها مستقبلا، وكذلك توقف عجلة دوران رأس المال.
إنَّها بلا شك لها تأثير سلبي خطير، وتُسهم في تكوين ظاهرة الفقر المقنع في المجتمعات التي لا توجد بها تنمية صناعية متقدمة ونظام مراقبة دقيق لكيفية صرف تلك المبالغ الضخمة المتجمعة في خزينة صندوق واحد.
هذا هو الخطر المحدق.. فهل يعي الحكماء ذلك!