ناصر بن سلطان العموري
في هذا الزمن العجيب زمن التقنية البحتة، أصبح العالم أشبه بقرية صغيرة تصلك أخباره بكبسة زر حيثما تكون، وباتت جل الخدمات مقضية وأنت مرتاح البال في مكانك، بل وأصبح التسوق والتبضع على مرأى العين وبين يديك، وليس كالسابق يحتاج منك قطع المسافات الشاسعات متجشما عناء الطرقات.
وفي المقابل، أصبحت التربية في هذا العصر من الصعوبة بمكان؛ فليست هي تربية الأمس؛ حيث بالإمكان المراقبة والمحاسبة، بل وأصبح العالم مكشوفا للصغير والكبير، يتلقون فيه سيلاً هادراً متدفقاً من البيانات والمعلومات، يختلط فيها الحابل بالنابل بين غث المواضيع وسمينها.
وهذا هو الزمان الذي أشار إليه خاتم الأنبياء والمرسلين في حديثه الشريف زمان الرويبضة، حين يتكلم السفيه وفي يده أمر أمته، والعاقل لا يجد له مكاناً بين أفراد أمته، وتعرف الرويبضة في معناها اللغوي كما ذكرته المعاجم على "أنه الشخص السفيه (التافه) غير القادر على الخوض في الأمور الحاسمة والكبيرة، والذي لا يملك من الأمر شيئاً، ويتحدث بأمر العامة، ويفتي في شؤون الدنيا والدين". الغريب كما أشارت إليه كتب الدين أنه مع وجود التحذير من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف، الذي يؤكد على أنّه سيأتي زمان على الناس يصبح الرجل السفيه هو صاحب الكلمة رفيع الشأن والحاكم والناهي في قضايا العامة؛ فيُسهم في تضليل الناس وانتشار الفساد، إلا أن التحذير لم يلتفت له الناس!
وهو ما يظهر جليًّا في هذا العصر؛ حيث يتبع الكثيرون كلَّ ناعق دون الاحتكام لمنطق العقل والحكمة، وحين يتم تداول العديد من المقاطع المُصوّرة لأمثال أولئك الرويبضة وهم لا يدرون أنهم يشاركونهم الوزر ويخدمونهم سلفا في نشر سمومهم بين أوساط المجتمع، فمنهم من يؤمن بفكرة إلحادية أو قضية هامشية، ومنهم من يقلل حجم الجهود الوطنية، وهناك من ينساق خلف كل فاسد يبغي الفجور والمجون، وتجد المقلدين يتكاثرون وكأن أبصارهم عميت وآذانهم صمت عن الحقيقة، والتي هي أقرب إليهم مما يتصورون لو انجلت عنهم الغمة وانكشفت عنهم الغمامة.
بل وتعدَّى الحال ليصل للمجال المعرفي والفكري، حين أصبحت المواضيع الهادفة من مقالات وتغريدات وكتابات غير ذات أهمية، وأصبح النقاش فيها نادرا؛ بل وأصبحت المقاطع الماجنة والصور المُسلية هي ما يجذب وينتشر انتشار النار في الهشيم.
لا تنفك الجهات الرقابية عن متابعة ومحاسبة كل ناعق من الرويبضة ممن يُعمِي العامة بكلامه المعسول ويشيع الفاحشة بين الناس، وهو في أصله سم مدسوس في حلاوة التواصل الاجتماعي، وهنا لا ننسى أن نوجه الشكر إلى شرطة عمان السلطانية التي تقف بالمرصاد لكل من يسيء لأمن المجتمع، ويخل بالأخلاق والآداب العامة والتنقيص من قيم المجتمع والمساس بالعادات والتقاليد العمانية الأصيلة.
بَقِي أن تقوم وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة بدورها التوعوي لفئات المجتمع المختلفة أكثر مما هو حاصل، والتذكير بأهمية المحافظة على قيم المجتمع من الضياع، والتبصير بعدم تداول المقاطع المسيئة بكافة أشكالها؛ فالشعب العماني عُرف عنه الرقي الأخلاقي، ويكفينا فخراً قول رسول الأمة حين بعث رجلا إلى حي من أحياء العرب، فسبوه وضربوه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره الرسول: "لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ"، إنها شهادة نبوية وما أعظمها من شهادة.. فلنكُن لها مُطبِّقين وعليها مؤتمنين.