دردشات على جدار الزمن

الدراسة في المغرب (3-12)

 

 

حمود بن علي الطوقي

 

الالتحاق بكلية الاداب والعلوم الانسانية

كان هدفي منذ وصولي المغرب أن ألتحق لدراسة الصحافة، بالمعهد العالي للصحافة بالرباط، وكانت نظرتي لهذا المعهد أنَّ خريجي هذا المعهد يُعدون من كبار الصحفيين والإعلاميين، هكذا كان المخطط، ولكن شاءت الأقدار أن أجد نفسي طالبا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس تخصص (أدب عربي)، فمحاولاتي المتكررة لأحصل على القبول بالمعهد باءت بالفشل، وكنت قاب قوسين أو أدنى من أن ألغي فكرة دراستي بالمغرب وأعود إلى عُمان، أو أبحث عن دراسة في مجال الصحافة في بلد آخر.

كانت تُساورني الأفكار بالعودة لعُمان، فكيف أدرس تخصصا لم أختره؟ فأنا أعتبر نفسي صحفيا ودراستي للصحافة ستزيد من مهنيتي، حتى وأنا أحاول أن أقنع القائمين على المعهد بأنني أعشق الصحافة منذ نعومة أظفاري وحتى في جواز سفري مكتوب المهنة "صحفي"، وأحمل رسالة رسمية من جريدتي "الوطن" تفيد بأنني مُوفد لتكملة الدراسة في مجال الصحافة، وأيضا سأعمل كمراسل صحفي معتمد، إلى جانب دراستي الجامعية لنقل الأحداث المحلية المختلفة التي تواكب الحياة في العاصمة الرباط. وتعجُّ الرباط والمغرب بصفة عامة بالأحداث، وتعدُّ من العواصم العربية المهمة لتنوع التظاهرات والأحداث المختلفة، وأحداث المغرب مادة خصبة تزين صدر الصفحات في الصحافة العربية والدولية.

بَذَل رفيق سكني الأخ محمد بن سيف الحارثي -ويعرف على مستوى الطلاب في الرباط بـ"أبو جاسم"- جهودا لمساعدتي في تكملة الحصول على بطاقة الإقامة؛ حيث لا تطلب المغرب ممن يحملون الجنسية العمانية تأشيرة دخول لأراضيها بهدف السياحة، وعليك أن تغادر البلد قبل انقضاء فترة السماح وهي 3 أشهر. خلال هذه الفترة، كُنت أكمل إجراءات الحصول على بطاقة الإقامة المغربية، وهذه البطاقة لها مميزات كثيرة لم نستفِد منها طوال فترة دراستنا في المغرب، وعلمتُ مُؤخرا من صديقي الدكتور فيصل بن عبدالله الفارسي أنَّ من يحمل بطاقة الإقامة يحصل على مميزات كثيرة، ونحن كطلاب لم نستفِد طوال تلك السنوات من هذه البطاقة.

كلُّ طلاب عُمان والزوار يعرفون هذا العنوان 21 زنقة حمزة-آكدال، وهذا هو عنوان سفارة السلطنة في الرباط، وفي إحدى الزيارات قابلت سعادة السفير، وكان وقتها حسين عبداللطيف، وعرَّفته بنفسي بأنني طالب أُكمِل دراستي الجامعية، وأيضا مراسل صحفي، ورحَّب بي وشجعني في نقل أنشطة السفارة وإجراء لقاءات صحفية وتغطية أنشطة الوفود العمانية التي تزور المغرب. حدَّثته عن مشكلة التعقيدات في حصولي على القبول بالمعهد العالي للصحاقة، وحوَّلني للدكتور يعقوب بن محمد السعيدي، وكان الشخص المسؤول عن الطلاب، وبالجلوس معه أقنعني بالدراسة في كلية الآداب، بل شجعني على الالتحاق بجامعة محمد الخامس عندما تأزَّمت الأمور للالتحاق بالمعهد العالي للصحافة، وقال لي إنَّ معظم الطلاب يدرسون الحقوق، وبعضهم يدرسون بالمدرسة الإدارية، وذكر لي أنه بإمكاني الالتحاق بكلية الآداب والعلوم الإنسانية؛ فهى الأقرب إلى الصحافة، لم آخذ وقتا للتفكير؛ فوافقت مُتوكِّلا على الله، خاصة بعد أن ذكر لي بعض أسماء الطلاب يدرسون اللغة العربية؛ منهم الإعلامي المعروف الأستاذ إبراهيم بن عامر اليحمدي، ما إن ذُكر اسم إبراهيم اليحمدي حتى وافقت، وطلبتُ فورا تسجيلي لكي ألتحق بكلية الآداب.

ولاحقا.. اكتشفتُ أن تخصص الآداب والعلوم الإنسانية من أصعب التخصصات في جامعة محمد الخامس، وأن عدد الطلاب العمانيين الذين اختاروا هذا التخصص لا يتعدون عدد أصابع اليد الواحدة؛ أذكر منهم الأخوة الأساتذة إبراهيم بن عبدالله القاسمي وهو أول طالب عماني يتخرج في كلية الآداب تخصص أدب عربي عام 1988، وفهد بن سالم المعمري، وإبراهيم المعمري، ومحمد بن جمعة الشبلي، وقصي بن حسن مكي، والقاص محمود الرحبي، وربما الطالب العماني الوحيد الذي درس الصحافة في المعهد العالي للصحافة بالرباط هو الأخ والزميل الكاتب الصحفي المعروف طالب بن هلال المعمري، ويشغل حاليا نائب رئيس تحرير مجلة نزوى الثقافية.

كان عليَّ أن أتقبَّل الأمر، وأتكيَّف مع الوضع، وأفكر في التخصص الذي سيكون رفيقي طوال السنوات الأربعة، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية، تعرَّفتُ على مجموعة من الطلاب المغاربة ومن الأردن وفلسطين والسودان واليمن.

أعُود لدراسة اللغة العربية وآدابها بجامعة محمد الخامس، هذه الدراسة لم تكن سهلة كما يتصوَّرها البعض ، بل أستطيع أن أجزم بأنَّها من أصعب التخصصات، والنجاح في تخصص (الأدب العربي) كان يتطلب منك كطالب جهدًا كبيرًا وبحثًا عميقًا، وكنت أعاني من صعوبة فهم شرح الدكاترة في السنة الأولى، ونجحت بالصعوبة بتقدير مقبول، ودرجة مقبول تعتبر جيدة على حسب تقدير الطلاب، رغم أن الشرح كان باللغة الفُصحى، وكان يتطلب مني أن أسجل كل الدروس وأبحث عن المراجع، ومن حُسن حظي أنَّ مكتبة وراقة آكدال كانت قريبة من شقتي، وكُنت زبونًا دائمًا لهذه المكتبة. وكان الطلاب المغاربة يسمون من يلتحقون بالدراسة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأنه يلتحق للدراسة في كلية العذاب والهموم الإنسانية؛ نظرا لصعوبة الدراسة في هذه الكلية.

******

في الحلقة القادمة، سأتحدَّث عن الاستقرار في المغرب، والأحياء السكنية التي يقيم فيها الطلاب العمانيون.