عُمان.. موطن الحكمة ونبراس السلام

حمد بن سالم العلوي

إنَّ عُمان لا تبتدع جديداً إن مثلت كعبة يحجُّ إليها المتخاصمون، أو مزاراً للمختلفين والمتخالفين، وطلبوا النصح المخلص الصادق، وقد أعيتهم الحيلة والوسيلة للخروج من دوَّامة العنف والتصادم، فليس لهم وجهة حول العالم إلا بلاد السلاطين "سلطنة عُمان" التي لديها القدرة والخبرة، والحنكة السياسية والدبلوماسية، لكي تُلملم شظاياهم المتناثرة، وتعالج جُروحهم النازفة، وإخراج تلك الشظايا في قالب قويم، وتهيئ المخرج المشرق للمتخاصمين، حتى يتصالحوا وينبذوا الحقد الدفين، لا بل ويتعانقون ويتعهَّدون على الصلح الأكيد، كم أنتِ ساحرة يا عُمان موطن الأحرار والعقل الرشيد؟! وكم من قَلِق شَارِدَ الذهن تمنى لو كان من أهل عُمان!!

إذن؛ لا ضير إن عسر الفهم على صبيان المراضع، وتقبَّلوا أن يعقد اليمن وخصومه لقاءات في الكويت أو الأردن أو السويد، ولكن عندما كان ذلك يجري على أرض السلام والحكمة "عُمان" أصابتهم "صاملة" المصائب، وأغشى نفوسهم الغم والهم، وقشعريرة مريرة في الأبدان، وترادفت عليهم غراش الحليب، واستكبروا أن يكون الحق في داره ومركزه الأمين، هل كان ذلك حسداً من عند أنفسهم، أم لوثة الفراق للحامي الحبيب صاحب جرار الحليب؟ وكما قيل: "لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله"، فقد يعذر أصحاب المكانة التاريخية عندما يغبطون من كان ندًّا لهم، إن تقدم عليهم بشيء جديد، أمَّا أنتم فكيف تغبطون من هو أكبر منكم عُمراً ومقاماً؟! وأنتم في وضع الثراء من مقام الثريا في عليائها، فعليكم أن تهجعوا وأن تجلسوا في حضانتكم، وأن ترضُوا بما تيسر من مراضع الكيف الجديد، وأن تختاروا أنسبها إلى أفواهكم الطرية دون العَضْب منها.

إنَّ الدنيا درجات ومراتب، والمقامات الكبيرة تظل جديرة بأصحابها، وقد أُخِذت غلباً قبل آلاف السنين، وقد اكتسبت عُمان مرتبة "الإمبراطورية" يوم كانت الشجاعة والإقدام يصنعها الرجال بأيديهم، لا تُشترى بالبترودولار، ولا باستئجار المرتزقة لتزوير أمجاد في الأحلام، وتاريخ مرتبط بالتخييم والترحال وراء العشب والكلأ وشريعة المحتاج.

إنَّ أية مسابقة قوامها الدولار، ليست بمسابقة حقيقية، وإنَّ دولة كعُمان ليست بحاجة لشهرة مشتراة، وكيف ذلك وهي الشهرة تسكنها ولا تفارقها، وحتى كواكب الكون البعيدة، تُرسل رسائلها وهداياها اعترافاً بمكانتها، فعُمان من كريم فضلها أن ترد التحية بأحسن منها أو مثلها، فهذا الكون الفسيح بكواكبه ومجراته، هو على علاقة وطيدة بعُمان، وتلك الكواكب هي التي أرسلت صخورها إلينا، فاحتفظنا ببعضها، وأَذِنا للآخرين برد جلها إلى كوكب المريخ دون أن ندفع ريالاً واحداً، فهل ترون الفارق بين المشهور وطالب الشهرة مدفوعة الثمن بالمال لا بالجاه؟!

إذن؛ يحقُّ لنا أن نقول على رسلكم أيها المعترضون، إن عُمان ليست في مقام غرِّ حديث العهد، يتعلم كيف يحبو في السياسة وأمورها الكثيرة، وأن عُمان لا تنشد الشهرة على دماء إخوانها العرب، خاصة للجار والشقيق في اليمن، فعُمان هي التي فتحت أبوابها على اليمن يوم أنتم أغلقتم عليها كل شيء أمامها أو حولها، وعُمان هي من فتحت مستشفياتها لعلاج ضحايا الحرب على اليمن دون تمييز ولا مِنّة منها عليهم، وهناك إصابات استعصى علاجها في عُمان، فتم تسفيرها إلى الخارج، وقد فبركتم كل الأكاذيب حتى لا تقوم عُمان بواجبها الإنساني والأخوي تجاه أشقائها، وقد تحمّلت عُمان كل قاذورات ذبابكم الإلكتروني، ولكن رغم كل ذلك لم تتخل عن إنسانيتها وواجبها، أكان ذلك تجاه اليمن، أو فلسطين وغيرهما من الدول العربية المنكوبة بكم.

لقد قال الرسول المصطفى -عليه أزكى التحية والسلام: "رحم الله أهل الغبيراء "عُمان" آمنوا بي ولم يروني، وقال أيضاً: اللَّهُمَّ زد أهل عُمان إسلاماً". إذن، ستظل عُمان مباركة عبر التاريخ، بعيدة عن الشقاق والنفاق والفتن، ونموذجاً حيًّا للإنسان السوي والمحب للخير والسلام، ولا نزكّي أنفسنا على الله، ولكن نقول اللَّهُمَّ ثبتنا على هدي نبيك محمد صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين.

إنَّنا لا نُبالغ عندما نزعم أنَّ الكرامات تسكن أرض عُمان، فنحن لا ننشد الشهرة وإنما هي تَسعى بين أيدينا، فبالأمس السيدة الجليلة تزور كواكب على الأرض، هي: (بهلاء، نزوى وإزكي) وهي حرم جلالة السلطان المعظم وأم سلاطين المستقبل، فكانت تدخل إلى الحارات القديمة، لكي تلتقي بالناس البسطاء، فامتزج سمو المقام بأريج التاريخ العُماني العريق، فلا كلفة ولا تكلف، وكم كان الناس فرحين بالمقدم الميمون، فخرجوا شيبهم وشبابهم من الجنسين، للترحيب بالزائر الكريم.

إذن؛ نزجيها نصيحة مجانية لهؤلاء، بأن يهتموا بأنفسهم، ولا يشغلوا بالاً بعُمان، بل أن يتركوا عُمان وشأنها، لأن من يدخل نفسه فيما لا يعنيه، ربما يلقى ما لا يرضيه، وعلى كل حال كانت عُمان قبلكم في هذا الكون، وستظل كذلك إلى ما شاء الله، وقد قال تعالى في محكم التنزيل: ".. إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" (الرعد:11)، وأننا في عُمان نحرص على ألا نخالف شرع الله، وأن نلتزم أوامره ونواهيه ما حيينا.

ونحن لا نبالغ عندما نقول إنَّ عُمان موطن الحكمة، ونبراس الحرية والسلام، فهذا كلام الأمم وشهادتهم فينا، ولا يضيرنا بشيء كلام الناقصين، فذلك نقصهم وعلتهم الشائكة، ونقصهم وصمة عار في جبينهم، وعُمان ستظل قلعة المضيوم إلى قيام الساعة، وهذا تكليف ربانيّ نتشرف بحمله كعُمانيين، فقد أتى به القرآن الكريم، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأمرنا كذلك أن نسعى بالصلح بين الناس والصلح خير.. اللَّهُمَّ أحفظ عُمان وسلطانها الأمين من كل سوء ومكروه، والحمد لله ربِّ العالمين.