مجلس أعلى للرقابة الإدارية!

 

حمد بن سالم العلوي

 

الرؤية المستقبلية "عُمان 2040" لابُد وأنها وُضعت لها أهداف كبرى، وأهداف أخرى مرحلية أو قصيرة الأمد، وإن الوصول إلى هذه الأهداف، يكون من خلال منظومة متكاملة، وإن المنفذين يكونون أعضاء في الحكومة، وكل المؤسسات الرسمية، ويساندهم في ذلك القطاع الخاص، والمجتمع العُماني.. كلٌ بما يوجب عليه واقع الحال، وإن العمل الضخم المؤسسي، يحتاج حكماً ينصف الجميع في الحقوق والواجبات، وإن العاملين المخلصين ليسوا سواء مع من يعمل بعكس المطلوب، أو دون المستوى المُرضي، إذن؛ هنا يأتي دور الحوكمة والضوابط لقياس جودة المنتج، ومعيار العمل.

لكن كيف للسلطة العُليا في الدولة أن تعرف أن كل الأدوار تؤدى بطريقة سليمة؟ وألا عراقيل تعترض ديناميكية العمل بالأهداف المحددة؟ لن يتحقق ذلك سوى بوجود معايير للجودة الشاملة، يُفترض أنها قد حُددت مسبقاً لحوكمة الأداء، وفق تلك المعايير المتفق عليها سلفاً، ولكن ما لم تكن هناك آليات واضحة ومفهومة من قبل الجميع، لن تجري أمور التنفيذ طبيعية وسلسة ومُتوافقة، فقد تتعرض العملية البنائية للخلل والإخفاق، وقد يحكم على المنظومة التنفيذية بالفشل، عندما يتسلل الغموض إلى مسارات الخطة الاستراتيجية لهذه الرؤية، الأمر الذي سيُؤدي إلى عثرات ونكبات- لا قدر الله- وقد تتبخر كل الجهود بسبب تخلف عضو أو أكثر من عضو من أعضاء التنفيذ في فهم الدور المناط به، وسيؤول الحال إلى ما آلت إليه خطط سابقة، حيث تبخرت إلى لا شيء، واختفت إلى الأبد.

إنَّ الرقابة الإدارية والمحاسبة الفورية، ستظل هي الضامن الكبير للنجاح في أي مشروع وطني محدد الأهداف، وخاصة عندما تتشعب الأمور، ويتعدد المنفذون، لذلك يستوجب الأمر أن يكون لدينا جهة مركزية تقوم بالرقابة وضبط الجودة والمحاسبة السريعة، وعليه؛ فإن وجود هيئة أو مجلس أعلى للرقابة والمحاسبة الإدارية يعد ضرورة ملحة، وأن تكون مرجعيته رئاسة مجلس الوزراء، بمعنى أوضح تكون تبعيته المباشرة إلى جلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - على غرار المكتب الخاص، بحيث يكون ذا قرار حازم وجازم وسريع، ويفضل فصل الرقابة الإدارية من تبعية جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، حتى لا تكون هناك إتكالية بسبب الازدواجية.

ولعلني لا أناقض نفسي اليوم عندما كتبت في مقالتي الأسبوعية "عين على الوطن" في جريدة الوطن بعنوان: "أيادي المجتمع فوق يد جهاز الرقابة للدولة" بتاريخ 31 ديسمبر 2012، وطالبت بإضافة الرقابة الإدارية إلى المالية، وكان لا يزال يسمى "جهاز الرقابة المالية للدولة"، وأُورد هنا جزءًا من الفقرة الثالثة من ذلك المقال: "إن المياه الراكدة يصيبها العفن نتيجة الثبات، فإن لم يشقها تيار قوي يحرك أعماقها، ستظل مياهها راكدة، إذن فلا يغير سكونها إلا التحريك، لذلك؛ كان دور الرقابة مهماً للغاية، وأن إصلاح الجانب المالي وحده يظل ناقصاً، إن لم يرافقه إصلاح في الجانب الإداري، وهذان الأمران يمثلان متلازمة شديدة التداخل، كالماء والهواء، وكالأمن والنظام، وكالجوع والخوف، ولا يصلح اعوجاج الظل إلا باستقامة الأصل، فطالما ظل هناك عنصرا أعوجاً في المنظومة فسيكون الظل شبيهاً بالأصل.."، ولا أعلم إن كان ضم "الإدارية" إلى المالية جرى صدفة، أم أن مقالتي تلك نبهت إلى الموضوع، ولكن الذي أعلمه جيداً أننا كلنا في خدمة هذا الوطن الغالي عُمان.

إذن؛ أعتقد اليوم أن مسألة فصل الأمور الإدارية عن الرقابة المالية، أصبح ضرورة نتيجة لتوسع الجهاز المالي في الدولة، وذلك بالإضافة إلى ازدياد الحاجة إلى المال مع ضعف الوازع الديني، وتراخٍ واضح في عصب الضمير الإنساني مع طغيان الماديات على القيم، وإن رفع مستوى الرقابة الإدارية إلى مجلس أعلى أو هيئة عُليا يُعد أمراً مناسباً بل ملحاً، بحيث يُسند إلى هذه الجهة المقترحة، رقابة أداء المؤسسات الحكومية، وكبار المسؤولين عليها، وتقييم إنجازاتهم كل ستة أشهر، لأنه من المهم جداً أن نعرف ما أنجز كل مسؤول من كليات الواجبات المسندة إليه بوجه خاص، وما أنجز من الجزئيات بما أوكل إليه من خطة الرؤية المستقبلية، وذلك قبل فوات الأوان، وحتى لا نكتشف متأخراً أن جهة ما غير مواكبة لتطورات الإنتاج والإنجاز، وأن يراقب كذلك معيار العمل مع الكلام، فإن وُجدا متساويين فإنَّ الخلل قد حدث أو لا يزال قائماً كما كان من قبل، لأنَّ هناك جهة أو جهتين فقط عملهما مرتبط بالكلام، وكل ما عداهما فيجب أن تعلو الأفعال على الأقوال.

إنَّ هذه الجهة التخصصية (المقترحة) عليها أن تؤكد على أن الجميع ملتزمون بالمسار الصحيح، وأن عكس ذلك يُعد مؤشر خطر على الرؤية والعمل ككل، وأن هذه الجهة يجب أن يكون لها رأي محفّز على اتخاذ القرارات التصحيحية، حتى لو كان باستبدال الوزير أو مساعديه في حالة عدم القدرة على مواكبة الركب، وإلا سيظل الحال كما كان عليه، ولن يكون هناك تقدما في عملية البناء والتطوير، وسنعود إلى المربع الأول "مكانك سر" وسنكتفي بالتغني بإنجازات الأجداد الأوائل، وهذه فكرة سلبية عندما يتكئ البعض على مقولة (كان جدي كذا وكذا..) فهنا يعترف الإنسان بأنه وصل مرحلة التبلد، وهذا فهم يخالف طبيعة تعاقب الأجيال في البناء والتعمير، وليس الأمر متعلقاً بالتناسل لحفظ الجنس البشري، وحماية هذا الإنسان من أن يُصبح مصيره كمصير الديناصور.

لقد ترك الإمام علي- كرّم الله وجهه- وصية للإنسان الطبيعي قال فيها: "أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، وأعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"، فمن فهم هذه القاعدة عمل بها، عاش آمناً مطمئناً، أما من عمل بمبادئ الرأسمالية وأتباعها، عاش في خسران وندم، وإن ظن أنّه فاز بالمال والدعة والراحة.. اللهم أحفظ عُماننا الحبيبة وسلطاننا المبجل بما حفظت به السماوات والأرض، إنك سميع مجيب الدعاء.