الجامعات.. مؤسسات الأسوار الكبيرة

د. محمد عامر العمري

الجامعات تلك المؤسسة العملاقة في نظر كل طالب في آخر مراحل التعليم العام، لعلَّ كثيراً منهم ينظر لها بشغف وذلك لأسباب داخلية؛ حيث إنَّ إحساسه بأنه أنهى التعليم العام- الذي قد يكون مقيدًا بكثير من القواعد الانضباطية- قد بدأ يتهاوى، وأن مرحلة جديدة من التعليم تنتظره في الجامعة؛ حيث إن حرية التنقل بين أروقتها لم تتسن له سابقاً والأوقات المستقطعة من الجدول اليومي غير المنتظم تجعله يحس بمشاعر مختلفة لم يكن ينعم بها سابقاً من الحرية والمشاركة في حرية اختيار المواد الدراسية.

هذه المؤسسة لم تفرض هيبتها على الطالب فقط، إنما أسرت معظم أطياف المجتمع وجميع مكوناته، فهي تحظى بأهمية وتقدير من الجميع، كما إن أساتذتها لهم مكانة مُقدسة لدى معظم المجتمعات وفي مختلف الحقب الزمنية. وما زالت وظيفة الأستاذ الجامعي تتوشح بالبهاء ونستطيع أن نحس ذلك من خلال حفلات التخرج حين يظهر الأستاذ الجامعي وهوبلباسه المطرز ذي الهيبة والإجلال، ولم تغب هذه الصفات التي تضفي الرصانة والهيبة على هذه الوظيفة منذُ ظهور الجامعات إلى يومنا هذا.

الجامعة تعول عليها المجتمعات في صياغة أفكار أبنائها وجعلهم أكثر نجاعة وتطور قدراتهم ومهاراتهم من خلال محتوى التعليم والبرامج الدراسية التي تطرحها، كذلك في تقديم مخرجاتها يفخر بهم المجتمع من طلبة وأساتذة. كما إنها منارة يهتدى بها في تقديم أبحاث ودراسات لكثير من الظواهر التي تتعرض لها المجتمع مشفوعة بتوصيات وحلول لمثل هذه الظواهر، ولا يختلف أحد على دور الجامعة لما لها من أثر بليغ في تغير المجتمعات والسير بهم نحو آفاق المعرفة التي تسود العالم. بادل المجتمع الجامعة المنافع في فترات مختلفة حيث حظيت بالتقديس والتبجيل والهيبة لدى المجتمع وقدمت له جيلا مسلحا بالمعرفة وحاولت حل بعض ما تعتريه من ظواهر من خلال ميدان البحث والاستقصاء وظلت هذه العلاقة في المجتمعات مستمرة تتغير بين الفينة والأخرى طبيعة العلاقة نتيجة لتغير نمط الحياة الذي يعيشه البشر.

وفي إطار العلاقة التي نذكرها فقد منح الكثير من أساتذة الجامعة الكثير من المناصب السياسية والحقائق الوزارية في مختلف دول العالم في وقتنا المعاصر، لما تتوسم بهم من خير في تحقيق مستوى متقدم من الخدمات التي تقدمها لمواطنيها من خلال هؤلاء المسؤولين المتسلحين بالعلم والخائضين في الدراسات والأبحاث لتحقيق أكبر قدر من الإنجازات على يديهم. وبعض الدول تقدم حكومات يطلق عليها "التكنوقراط" (الوزراء المتخصصون)؛ حيث معظم المسؤولين فيها ذوو طابع تقني متسلحين بالعلم والمعرفة. وفي بعض الدول التي تعمل بنظام الأحزاب السياسية، قد لا ينتمون لأي حزب سياسي، ويطلق عليها كذلك "حكومة الكفاءات". ومعظم دولنا العربية قدَّمت مثل هذه النماذج في تشكيلاتها الوزارية المختلفة، والسلطنة من هذه الدول؛ فخلال السنوات الماضية كثيرا ما يتم تقديم نماذج لمثل هؤلاء المسؤولين في مختلف التشكيلات الوزارية. ونجاح هذه الفئة من عدمه ليس موضوعاً قيد الطرح، فمنهم من قد حقق الأهداف التي وضعت لمؤسسته ومنهم لا. ويمكن تقييم نتيجة هذا العمل بعد وضوح الصورة العامة لمثل هذه القيادات، وللأمانة اختيارهم لا يُمكن أن يكون من باب المصادفة البحتة، إنما حتماً قدموا ما يشفع لهم ليتبؤوا المناصب القيادية التي أوكلت لهم.

وقد تكون هناك من نفس الفئة التي ربما كانت تمني النفس في الوصول لما وصل إليه إخوانهم من الأساتذة الجامعيين من مناصب حكومية عُليا، قد لا تقل عنهم كفاءةً وبروزاً، لم يحالفهم الحظ في الوصول لنفس المناصب، لكن حصلوا- بلا شك- على التقدير والاهتمام من خلال تواجدهم في أماكن قد لا تكون بنفس أهمية مسمى وزير أو وكيل وزارة؛ إنما مناصب أخرى رفيعة، وأعضاء في لجان لها قدر جيد من الأهمية في مختلف القطاعات.

على العموم سنة الحياة التنوع والتغير، وربما مثل هذه النخب لم تكن تهتم لبعض القضايا المحلية التي يخوضون فيها اليوم، ربما بسبب الانشغالات أو طبيعة المناصب التي تحتم عليهم عدم الخوض فيها، لكن لا بأس.. فأن تصل متأخراً خير من ألا تصل!

إننا نتنمى لهم التوفيق والوصول في مبتغاهم ونتطلع لهم في طرح ثمرات أعمالهم لمعرفة ما أنجزوا خلال سنوات عطائهم لما أتيح لهم من فرص كثيرة ترعاها مؤسساتهم. وبلا ريب، فإن الجامعات دائماً وأبداً منارات للعلم والعلماء والنور الساطع البهي، تنظر لها المجتمعات على أنها بوتقة تحوي صنوف العلوم وثمراتها، هي المؤسسات ذات الأسوار العالية.

تعليق عبر الفيس بوك