وزراءنا الكرام: ما الجديد؟!

 

إسماعيل بن شهاب البلوشي

سأكون صريحاً إلى أبعد الحدود مُفنداً جوانب مُهمة في يوميات الباحثين عن إنجاز معاملاتهم ومصالحهم؛ لأنَّ الأمر لا يحتمل أكثر مما هو عليه، ذلك أنَّ الجميع كان في شوق وتلهف للحصول على نتائج إيجابية من خلال جهد الحكومة الرشيدة المُقدّر في تغيير ودمج وتطوير الجوانب الوزارية، لكن الأمر لم يكن مطلقاً كما هو مؤملاً منه؛ بل على العكس تماماً، فالمُعاملات والمصالح دخلت مرحلةً غير مسبوقة من التأخير.

ولعلي أجد بعضاً من الأسباب التي يُمكن من خلالها التحرك الفعلي لحل هذا الأمر المهم جداً في تنمية مصالح الوطن والمواطن؛ وأوَّل أمرٍ أقرأه تعمقاً في الأسباب: المركزية التي تمَّ العمل بها لم تعطِ للمديريات على مستوى المحافظات والولايات، فأيُ مجال أو اجتهاد أو إبداع حقيقي يمكن من خلاله اختصار وتسهيل الكثير من الإجراءات بل والقرارات، ولقد كانت سبباً في وجود مصاعب جمة كي يصل المراجع إلى وجهته، وكذلك أمله من الدوائر الحكومية، ولقد تم من خلاله أيضاً الخلط بين الباحث لشق طريقه للعمل والإنتاج بكل وضوح وشفافية، وبين من يعتقد أنه يبحث عن تطوير أعماله بطرق غير طبيعية، ولذلك توقفت المصالح وطلب الوزراء الاطلاع على كل شيء ومعرفة كل شيء وتأخير كل شيء، وفي النهاية إنجازات متواضعة جدا يجب علينا جميعاً أن نعمل على عدم جعلها صفة اعتيادية نقبل بها ونعتاد عليها وإلى ما لا نهاية.

هنا أقف موضحاً مدى الانعكاس السلبي وتأثير هذا الفكر على قيمة وقوة مديري العموم والمديرين، بل على كل الموظفين، وكذلك انعكاسه على تأخير مصالح الناس، وأولها الاختيار الدقيق والصحيح للمسؤولين الذين يتمتعون بحزم وهواية ومعرفة العمل، أما إذا كان أصحاب المعالي الوزراء يعتقدون أنهم ومن خلال المركزية سيمنعون تجاوز القانون أو أنهم سيحمون الوطن من الكثير.. فإني أقول إن المركزية المطلقة لم تؤخر البناء في تاريخ الأوطان وحسب؛ بل إنها همّشت أهم ركيزة للبناء، وهو الهرم الوظيفي، الذي من خلاله يتم العمل بكل احتراف، وكذلك تمَّ التغافل وبطرق ممنهجة من غير أن نعلم عن اكتشاف وتنمية المواهب الشابة التي تبشر بالتجديد والتطوير. والأدهى من ذلك، أنها تخلق ما يُسمى بالبحث بطرق ملتوية لتحقيق المصالح، والناتج العام لكل ذلك يتمثل في تعميق ما يوصف بأنَّه "الفساد الإداري" وبناء وتنمية "قانون الظل"، الذي لم تصل إليه أي دولة، وخرجت منه بمستوى أفضل!!

هذا الأمر يجمع بين الكثير جداً من نتائج العمل؛ وأهمها: الإعلان المطلق والتعميم الصريح لكلمة "ممنوع"، ويقابلها "المسموح" بطرق أخرى، وأن مجرد اختيار المسؤول للمنع المطلق والمعمم على كل شيء، وكذلك الاطلاع واعتماد كل شيء، هو الإعلان الفعلي والصريح عن عدم قدرته ومعرفته؛ بل وضعفه الحقيقي في أدائه وعدم مقدرته على معرفة مواطن الخلل والمصاعب، ومواجهتها، وحلها، والتفريق العملي بين الخطأ والصواب، والطموح الفاعل من المتكاسل، وهذا الأمر كبير جداً لا يمكن فهمه ومعرفته والعمل به إلا من خلال شخصيات وعقول لها درجة عالية من الخبرة والشجاعة في مُواجهة المصاعب، ووجود أجندة عمل واضحة نابعة من المسؤول ذاته، وليس عن طريق التوجيه ممن يحملون تسمية الخبراء والمستشارين الذين يمكن الاستفادة منهم من خلال تحديد السؤال، وليس فرض وجهات نظرهم.

علينا أن نعلم جميعاً أنَّ هناك ارتباط كبير بين ضياع أصول وممتلكات الدول والتخلي عن المواجهة والتوجه إلى أقرب الطرق، وهو تعميم المنع وإنشاء وإكثار الشركات الحكومية، وتحضير كل شيء عن طريق الشركات الاستشارية؛ من رسم الفكر والخرائط والتنفيذ، ويكتفي المعني بالمشاهدة، وتسيير الأعمال المعتادة، والمراسم الاحتفالية.

وأخيراً.. إذا كانت هناك اذآن صاغية فإني أتمنى من كل وزير يخدم الوطن والمواطن أن يُكلف من يرى فيه الثقة ويتبع تسلسلا خدميا لإنجاز معاملة لمشروع معين، تشترك فيه مثلاً الزراعة والسياحة والإسكان والدفاع المدني والبلدية، وأحمله المسؤولية أمام الله والوطن وجلالة السلطان المعظم- حفظه الله- أن يفصح وبوضوح عن المدة التي استطاع أن ينجز فيها تلك الإجراءات ومدة أخذ الموافقات، وبعد ذلك، وإذا وجد أني أتحدث عن سنوات، فإنَّ التحرك بالعمل الجاد لحل هذا الأمر يحتمه الواجب الوطني علينا جميعاً.