يوسف عوض العازمي
alzmi1969@
"كل شخص يكتب التاريخ حسبما يناسبه" خوسيه ريزال.
في التاريخ أحداث عديدة صعب التعليق أو الكتابة عنها لأن ذات الحدث المقصود لم يأخذ حقه من البحث التاريخي الرصين، فقد تمَّ نقل الحدث بناءً على أدبيات مُستمدة من عادات تاريخية جبل عليها الكثير ممن تبوؤا البحث والكتابة عن مجريات تاريخية مُعينة متخصصة بحقب تاريخية مُختلفة، وهنا أؤشر على من يظهر قدسية تاريخية والحذر من دخول مناطق زمنية في التاريخ وكأنه محظور على المؤرخ أو الباحث التاريخي الدخول إليها، وحتى تحليلها الذي قد يكون كالدخول في مناطق ألغام خطرة!
من الإشكاليات في النقد والتحليل بالتاريخ أن هناك خطوطا شائعة لاتُفرق بين النقد الفني البحث لحدث ما وتحليله وبين الفقه وتقديس بعض الشخصيات كما دار حولها الجدل، بعض الشخصيات أو الأحداث ما أن تقترب منها حتى تشعر بالألغام الشرعية غير الواقعية واللا علمية تدور حولك، وفي هذا هدم لأداة وخاصية التحليل التاريخي المزمع حول هذا الحدث، ويجعل المهتمين لا حراك لهم خشية الوقوع في محظور ما سواء كان شرعياً أم سياسياً أو حتى اجتماعيا.
لاشك احترام الثوابت الشرعية لا خلاف عليه، بل وأشد عليه النواجذ، إنما أحدثك عن حدث تاريخي تضمن موقفاً سياسياً أو اجتماعياً ما لشخصية ما، وهنا أؤكد أني لا أقصد شخصيات معينة البتة، إنما أحدثك عن أحداث بالتاريخ الإسلامي مابعد صدر الإسلام، أي في الدولة الأموية ومابعدها وكذلك في التاريخ الحديث وقعت أحداث كثيرة ولن أحدثك عن أحداث التاريخ المعاصر الذي قد تمنع البحث الرصين به عدة موانع سياسية واجتماعية ولا أقول شرعية.
ناهيك عن أنَّ التاريخ الإسلامي كتب كثيرًا منه في القصور الفارهة فيأتي غالباً للتمجيد وذكر المزايا والإيجابيات دون النظر للسلبيات والحديث عن الناس اجتماعياً، لما تدقق في المؤرخين الثقاة لن تجد عددهم مناسبا بالنسبة للمراحل الزمنية التاريخية التي قاموا بتاريخها، عندما نعددهم في أكثر الأحيان لن نتعدى الطبري والبلاذري وابن جني وابن كثير وغيرهم القليل وليس الكثير، لكن في وقتنا المعاصر من الصعب وفي هذه المرحلة الزمنية من التاريخ أن نحكم على رصانة هذا المؤرخ أو ذاك، ليس تقليلاً من شأن وانتقاصا من محترمين، إنما أحدثك عمَّا يدير دواليب الحياة، فهناك أحداث تاريخية معاصرة وقريبة جدا يصعب الاتفاق حول تاريخها الحقيقي، لمتمنعات قانونية أحياناً وبحسب دستور الدولة الفلانية أو لوائح الدولة العلانية، وكلا بحسب دستوره وقانونه، هذا هو المسير الحقيقي لحركة التاريخ المعاصرة، هذه هي الحقيقة، لذا أتوقع ألا يكتب التاريخ الحقيقي لزمننا المعاصر إلا بعد أكثر من نصف قرن، ليس تشاؤما لكن حيثيات الأوضاع بوجود قوانين معينة تمنع أسس البحث التاريخي الرصين، الذي قد يدخل في محظورات سياسية سواء مع أو ضد، أو يتفوه بمتجددات اجتماعية أحدثت دوياً في الحياة الاجتماعية، أو غير ذلك مما قد يفهمني به القارئ أو يلمحه ما بين السطور!
وحتى نضع النقاط على السطور، لنتفق على أنَّ التاريخ السياسي صعب إلى حد ما لزمننا المعاصر بسبب المحظورات التي سبق وذكرتها بالسطور الماضية، فالتكن مسؤولية الجيل القادم، حتى لايتورط باحث رصين بتهمة الخروج على ولي الأمر وقد يتهم بأنه عميل أو من الخوارج، لذلك اعتقد التركيز على التاريخ الاجتماعي والثقافي أجدى بكثير على الأقل في وقتنا الحاضر. لكني أقصد به تاريخا على مستوى عالٍ إذ لا عذر للباحث الجاد، المراجع والمصادر "على قفا من يشيل"- كما يقول إخواننا المصريين بلهجتهم المحببة- ومراكز البحث منتشرة كالبقالات على طريق دولي سريع، وشبكة الإنترنت اللهم أنعم وبارك، أما التاريخ السياسي فليكن مهمة باحثي الدول المتقدمة حيث لا قيود ولا لوائح ولا تخوين ولا عمالة!
تساؤل أخير بناءً على هذه الإشكالية النقدية للتاريخ، هل نحن جبناء إلى هذا الحد في تناول تاريخنا؟
صدقني متى ما أعطيت الحرية الكاملة للبحث العلمي الحصيف الهادف بلا خوف أو مواربة أو حتى رياء ونفاق، وقتها ستؤسس لدولة عصرية قوية تعتز بتاريخها وتتعلم من عثراته وتستنبط النور من حسناته، ليكون حجرا أساسيا لتقدمها وبزوغ نجمها بين الدول، الاهتمام بالعلوم الإنسانية والأدبية هو الطريق لتقدم علوم الطبيعة والعلوم التجريبية، لكن الخوف من التاريخ ومن الماضي لايبني مستقبلا ولا يحل إشكالية!