هل حقا السياحة تثري؟!

حمد بن سالم العلوي

لقد أبصرت جنة السياحة مع وقف التنفيذ؛ من خلال ما ينشره التليفزيون العُماني عبر برنامج "قهوة الصباح"؛ فهناك مقاطع فيديو ينشرها التليفزيون العُماني؛ ومن ضمنها تلك الخيران الهادئة، التي تُحرِّك سكينة مياهها بعض اليخوت والزوارق الصغيرة؛ فقد تداخلتْ تلك الخلجان مع مجموعة من الروابي على ضفتي بحيرات زرقاء، والتي تشظت كأغصان شجرة السمر المجاورة لها، وانسابت بين شعاب كثيرة كالبلور المنشطر، فلو عرفت عنها السينما العالمية لاختارتها مكانا لتصوير أفلام المحبة والسلام والروائع الرومانسية، أو تلك الأفلام البوليسية التي كان يرمز إليها بـ"007"؛ فتلك الخيران والخلجان المتداخلة بين أحضان الطبيعة الخلابة، لا يحدها ثمن، ولا يغفلها ذواق رفيع المزاج، ولكنَّ البيرقراطية التي قتلت كل شيء جميل في بلادي ما زالت تمسك بتلابيب تقدُّم عُمان وتطورها في مجالات كثيرة، وعلى رأسها صناعة السياحة في عُمان.

لقد ثارَ في فكري وأنا أنظر إلى هذه اللوحة الجمالية التي غزلتها الطبيعة بين البحر واليابسة، جُملة من الأفكار الجميلة، فأنا كمُزارع بالوراثة يشدُّني حب الطبيعة، فقلت لو كان لدينا مسؤولون يحبون عُمان كما يحبون أنفسهم، ولا أقول يحبون عُمان أكثر من أنفسهم، لسمحوا للناس باستثمار تلك الرقعة الجمالية في مشاريع سياحية، ولكن هيهات هيهات أن يفلت شيء من فم الحيتان، فإما أن يكون كلُّ شيء لهم، وإما لا فكاك للآخرين لعمل شيء يستفيد منه الناس والوطن، وقد قيل من قبل وأرجو أنْ أكون مُخطئا فيما سمعت، إنَّ الحيتان تتقاسم الأرض ثم بعد ذلك تخطِّط المشاريع العملاقة، ولكن أتمنى اليوم أن تكون هذه الحيتان قد انقرضت من وجودنا هذا، والأمنية الأهم أن تكون عيون الحكومة أصبحت مفتوحة، وبصرها من القوة اليوم كالحديد.

إنَّ مثل هذه الخلجان الناعسة في أحضان الطبيعة، مواقع كثيرة ومفرطة في الجمال الباذخ، فلو استثمر فقط اليسير منها، لأكل المواطن من خيرات عمان وشبع، وادَّخر ما يزيد على حاجته، فبالإضافة إلى الخيران التي أبهرتني بجمالها، هناك خور جراما الذي مد يده ليحتضن مسافة شاسعة من اليابسة، وأيضًا وادي شاب بحيرة عذبة تحفها أشجار كثيرة، وأهمها أشجار النخيل لتجاور البحر، وحيل مسبت في الجبل الأخضر "وطبعا يقصد به المكان الهادئ"، وكذلك حارة وادي بني حبيب، وسواحل الشويمية، وجزيرة مصيرة، وخلجان شنة في ولاية محوت، وسواحل الأشخرة، وسواحل الرملة البيضاء، وخلجان رأس مسندم، وغيرها الكثير والكثير.

إنَّ المواقع التي ذكرتها ليست حصرا هي المواقع السياحية، فهناك جزر الحلانيات، وجزر الديمانيات، وهناك العدد الوفير من الكهوف، ولا ننسى الحارات القديمة، والقلاع والحصون، والصحاري والكثبان الرملية، فلو فقط فككنا من عقد البلديات والبيئة وغيرهما الكثير، والتراخيص المعقدة، والرسوم المبالغ فيها، والاشتراطات المعجِزة والمنفرة، وقلنا للناس تقدموا بطلبات للتملك المؤقت، فإذا نجح المشروع، اطلب التملك الدائم، وابدأوا بعمل أكشاك من سعف النخيل، وأغصان الأشجار، وذلك لفترة عشر سنوات، ومن ثم يتم البدء في التحول للبناء بالمواد الثابتة -إن تطلب الأمر فعل ذلك- وإلا فإن السياح القادمين لغرض السياحة، قد ملُّوا من الصناديق الأسمنتية والخرسانية والمباني الشاهقة، وكل الذي ينشدون البساطة والطبيعة البكر، إذن؛ هذه النزل التي يُفترض إنشاؤها ودون اشتراطات هندسية عقيمة، عدا ما يخص الأمن والسلامة، فتترك الحرية للناس يبنون كل على ذوقه ومقدرته، والحاكم لذلك التنافس الشريف، هو الخدمة الجيدة وحسن الإدارة، وإن حصل هذا ستكون عمان لؤلؤة الشرق حقا، ودخل النفط والغاز سيذهب لصناديق الادخار.

لقد بنيت القلاع والحصون العمانية، والتي كان لها الفضل في استقرار عمان وتقدمها، وكان الناس في الدول الأخرى يغبطون الإمبراطورية العمانية عليها، لأنها أدخلت الكهرباء لمدنها في القسم الإفريقي قبل نيويورك، ويومذاك لم تكن البلدية وأخواتها قد نشأت بعد، وإلا لما وجدتَ حصنا ولا قلعة ولا برجا على قمة جبل، قد شيد إلا بالإباحة الصغرى ثم الإباحة الكبرى، ويرافق ذلك كم هائل من الخرائط والتراخيص، وبدونها ليس بإمكانك أن تضع حصاة على أخرى، وتخيَّل كم سنة ستحتاج لاستخراج ترخيص لبناء حصن جبرين أو قلعة نزوى اليوم، فيا ليتهم يغضون الطرف عن المشاريع السياحية البسيطة، كما غضوا الطرف عن شجرة الغويف (المسكيت) لتنتشر على طول البلاد وعرضها، وكذلك اليوم يغضون عن السنجاب الهندي الذي يقرض طلع النخيل، ويهلك كل صنوف الزرع، وأيضا يغضون الطرف عن بعوض الغابات في ظفار، الذي أزعج السياح وكل عابر سبيل، والمسؤولون في حالة سبات عميق، إذن حالهم من حال البخيل الذي وقع في بئر، فقال له المُنقِذ: "أعطني يدك لأنقذك"، رفض وخبَّأها خلف ظهره، فقال له: "طيب، خذ يدي وأمسِك بها"، ففرح لمجرد سماع كلمة خُذ ومد يده، وكذلك حال المسؤولين الحكوميين مع المواطن، فهم تعوَّدوا على أخذ الرسوم والضرائب، لكنهم يكفون اليد عن المساعدة والعطاء.

إنَّ العهدَ السعيدَ يعمل وفق الرؤية المستقبلية؛ فالأخذ يفترض أن يكون قليلا، والعطاء أكثر؛ فلو أخذنا المثال من صاحب مطعم صغير، عندما دارت به الصناعة المنافسة له من كل صوب، لجأ إلى طريقة تنافسية شريفة تمثلت في الرخص والجودة والخدمة السريعة، فحقق أرباحا كثيرة رغم المنافسة الشديدة، لذلك نقول لمن يعنيهم الأمر سهِّلوا ويسِّروا، وستربحون أكثر مما تتصورون.

وأخيرا نقول: حفظ الله عُمان وأمدها بالمخلصين الأخيار، وعندئذ سنقول حقا السياحة تُثري، أما بوضعها الراهن فهي تَثرِي ولا تُثرِي؟!

 حفظ الله صاحب الجلالة السلطان الأمين هيثم بن طارق المعظم، والشعب العماني الأبي.