علي بن بدر البوسعيدي
من المُؤسف للغاية ارتفاع حالات الطلاق في مجتمعنا؛ فقد صدمتنا الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهات المختصة، والتي تُشير إلى وقوع 10 حالات طلاق يوميا في السلطنة، وهو رقمٌ كبير على مجتمع لا يتعدَّى تعداد مُواطنيه الثلاثة ملايين نسمة، وعلينا جميعا أن ندُق ناقوس الخطر ونقرع أجراس الإنذار، لما في ذلك من خطر داهم على تماسك المجتمع، خاصة نواته الأولى؛ وهي الأسرة.
الأرقام المُعلنة هي فقط الأرقام الرسمية، التي حَدَث فيها طلاق مُوثق في السجلات الرسمية، بينما حالات الطلاق غير الموثقة ربما تكون أضعافًا مُضاعفة لهذا الرقم، فكم من مشاجرة بين زوجين تنتهي بإلقاء يمين الطلاق على زوجته، لكنه يظل طلاقا رجعيا، لم يُدون في الوثائق الرسمية.
الشاهد أمامنا أنَّ هذه الحالات -وكما سمعنا من أطراف خاضت هذه التجربة- كثيرٌ منها بين فئات الشباب، فتجد الشاب أو من لا يزال في الثلاثينات، لكنه مُطلَّق، وكذلك الحال للفتيات، فما الذي يجبرهم على ذلك؟ ولماذا لم يجدوا الدعم العائلي الكافي لكي يتجاوزوا مشكلاتهم ويتخطوا فكرة الطلاق كحل أخير لهذه المشكلات؟ أين دور الأسرة ومؤسسات المجتمع العامة والخاصة في توعية المقبلين على الزواج بأهمية الحفاظ على الرباط المقدس، وضرورة العيش سويا في سلام وطمأنينة، وأن يسكن كل طرف إلى الآخر، امتثالا لأوامر الله تعالى؟
من الأمور العجيبة التي نعلمُها عن حالات الطلاق أيضا، أن كثيرا منها مرتبط بوسائل التواصل الاجتماعي، فهناك الزوج الذي يُقيم علاقات افتراضية مع نساء تعرف عليهن عبر موقع فيسبوك أو إنستجرام أو واتساب، وغيره.. وهناك الزوجة التي تُفشِي أسرار بيتها على حسابات التواصل الاجتماعي وتنشر دون حياء ما قد يحدث من أمور عائلية عبر هذه المنصات، وعندما يعلم الزوج تدبُّ نيران الفتنة بينهما، وينتهي الحال بالانفصال من بوابة الطلاق.
أيضا هناك حالات طلاق تقع نتيجة عدم التوافق الاجتماعي بين طرفي العلاقة، خاصة إذا كان أحدهما من جنسية أخرى، وهنا نهمس في آذان أبنائنا وبناتنا بأن يحرصوا على الزواج من ابن بلدهم، فهو الأجدر على توفير الدفء العائلي والأسري، وهو القادر على تفهُّم ثقافة الطرف الآخر، دون الدخول في نِزاعات لا نهاية لها، فلربما يتشرَّد الأبناء بعد الطلاق، وهنا مكمن الخطر الأكبر.
نعم.. إنَّ تشرُّد الأبناء ودخولهم في حالات نفسية عصيبة هو الخطر الأكبر الذي قد ينتج عن حالات الطلاق، خاصة إذا كانوا أطفالا صغارا يحتاجون العناية والرعاية من الطرفين؛ فالأم ليس بمقدورها تعويض غياب الأب، والأب كذلك لن يكون أبدا بديلا عن الأم، فكلاهما خُلق لما هو مُيسر له، وعلى الطرفين: الأب والأم، أن يضعا مصالح الأبناء فوق كل اعتبار، وأن يسعيا إلى إقامة علاقة متكافئة قائمة على التفاهم والود والحب.
إنني أدعو كل مؤسسات الدولة المعنية، ومؤسسات المجتمع المدني، وعلى رأسها جمعية المرأة العمانية بفروعها المختلفة، إلى أن تسارع بتنظيم ندوات وورش عمل توعوية للنهوض بوعي وثقافة الآباء والأمهات، مع التركيز على المقبلين على الزواج من الشباب، ولا ننسى أيضا دور المؤسسة الدينية من خلال الدعاة والوعاظ، بأن ينشروا ثقافة الائتلاف والمحبة والود والتراحم بين الزوجين، حتى نرى مجتمعنا ينعم بمزيد من الاستقرار الأسري، ويتحقق التماسك العائلي الذي ننشده جميعا.