بعد المساس بالراتب.. ماذا تبقى؟

عبدالمجيد بن يحيى الراشدي

تهون علينا أنفسنا ونحن في طريقنا للمحافظة على كيان الأمة، وهو أمر لا جدال فيه على الإطلاق، لكن علينا أن لا ننسى الشعب الحاضر، ونجرده من الأخضر واليابس، وإلا فإنَّ وجود الأمة في ساعتها سيكون مهددا بالانهيار حتما؛ فالإنسان هو أساسها وهو بانيها ولن يستطيع حملها وبناءها إنْ لم يكن قويا وصلبا، والقرارات الحكومية المتتالية الأخيرة وكلها متعلقة بفرض التزامات مالية على المواطن بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ألقت بظلالها على المواطن وأثقلت كاهله وأتعبت سريرته.

ونُدرك جميعا أنَّنا نُواجه ديوناً ثقيلة وأزمة اقتصادية بدأت مع بدء انخفاض أسعار النفط منذ أواخر 2014، نتج عنه انخفاض حاد لإيرادات الدولة المالية، وهو ما ألزم الحكومة لإصدار قرارات  للحد من عجز الموزانة، كرفع الدعم عن سعر النفط المباع محليا، وما تبعه من خدمات أخرى كالكهرباء، وزيادة الرسوم المستحقة للدولة لبعض الأنشطة والإحالة للتقاعد الإجباري، وكذلك فرض رسوم على بعض إجراءات التقاضي.

وقد توالت في الفترة الماضية الأخبار يمنة ويُسرى عن أمور تمس عيشة المواطن بشكل مباشر بل ومؤلم في كثير من الأحيان، بداية من المساس بالراتب الذي لطالما اعتقدنا أنَّ له حصانة، وأنه بعيد عن أعين أهل القرار، وليس ذلك وحسب وإنَّما امتدَّ المساس إلى العلاوة الدورية التي تدخل في الراتب الأساسي، وتظل ملتصقة به إلى الإحالة للتقاعد والحصول على المعاش، وهي الوسيلة الوحيدة المتبقية لزيادة مِقدار الراتب سنويا بعد توقف الترقيات، ومرورا بأمور كثيرة لا تعد ولا تحصى من زيادة الرسوم على بعض الخدمات، ولا نقول انتهاء بزيادة سعر الطحين الذي يدخل  في تكوين الكثير من الوجبات الأساسية وغير الأساسية للعائلة العمانية؛ لأننا ما زلنا مُتربِّصين ولا ندري ما هو القادم.. فبعد المساس بالراتب، ماذا تبقى؟ وأحسب أنَّ قرارَ وزارة العمل بزيادة رسوم استقدام العمالة الوافدة يدخل ضمن الإطار ذاته، وسينعكس سلبًا على الوضع الاقتصادي للدولة ومعها المواطن.

وفي هذا المقام والشئ بالشئ يُذكر، لا بد لنا أن نُشييد بموقف غرفة التجارة والصناعة ورفضها القاطع للقرار، وقد سردت المبرارات المنطقية والكافية وبينت آثاره السلبية؛ مما لا يجعل لنا قولًا يُقال بعد بيانها الصريح الشفاف، وهي المعنية الأولى بمثل هكذا قرارات، ومن هنا نرسل للغرفة رئيسًا وأعضاءً التحية والتقدير، وللحكومة الموقرة أنْ تأخذ ببيان الغرفة محل الاعتبار؛ لأنها صاحبة اختصاص والمعنية بشؤون التجار.

ومن شأن هذه القرارات والإجراءات أنْ تؤدي إلى مخاطر عديدة اقتصادية واجتماعية وتناقص رضا المواطنين عن الحكومة والدولة وثقتهم فيها من أنها وجدت من الأساس لخدمتهم وتوفير العيش الكريم لهم، وليس لجباية الأموال منهم، وعلى الحكومة أن تقدِّم الدليل العملي على أنَّ ما تم من إجراءات كان لأجلهم ولأجل الأجيال القادمة، حتى نُحافظ على الرابط القوي بين الدولة والمواطن، كما أنَّ عليها إيجاد وسائل أخرى مبتكرة لرفد خزينة الدولة، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية في الاقتصاد كتنشيط السياحة وجذب الاستثمارات الخارجية، وهو ما يستلزم مراجعة شاملة للقوانين ذات العلاقة؛ منها: القرارات الأخيرة بزيادة رسوم استقدام العمالة الوافدة وغيرها، والتي من شأنها التأثير على القيام بأي أنشطة استثمارية، وكهدنة لفترة ما أقترح أن تتوقَّف الحكومة عن إصدار مثل هذه القرارات الماسة بعيش المواطن لالتقاط الأنفاس. وفي المقابل ننتظر خبراً سعيداً مفرحاً يرسم الأمل على الوجوه، كتعيين الباحثين عن عمل تُساندهم على العيش بكرامة، إضافة للمزيد من الحوافز تشجع للبدء في مشاريع صغيرة ومتوسطة أو حتى كبيرة؛ لأنها رافد مهم للاقتصاد الوطني.

تعليق عبر الفيس بوك