الانكشافات المالية والحوكمة والثقة

عيسى بن علي الغساني *

* محامٍ وباحث في علم الاجتماع القانوني

النظام المالي والمصرفي، يستمد قوته من الثقة التي يتداولها المتعاملون مع النظام أو الأطراف التي لديها النية في التعامل مع النظام أو لها مصلحة تعامل مباشر أو غير مباشر، والثقة أساسها وضوح وشفافية النظام المالي والمصرفي كلياً وجزيئاً، وكليا تعني القوانين واللوائح والقرارات والتعاميم وغيرها من الأدوات المنظمة لعمل القطاع المالي والمصرفي.

بالإضافة إلى طرق الرقابة على مدى الالتزام بكل الأنظمة ومنهج كشف التجاوز وعدم الالتزام. وجزئياً تعني النظم المالية والرقابية داخل الموسسات المالية بمختلف أنواعها، ومدى فاعليتها في بناء الثقة والشفافية.

والنظام المالي والمصرفي يحكمه ثلاثة عناصر نظم دولية، ونظم داخلية وطنية ونظم تنظيمية تسنها المؤسسات المالية والمصرفية كتنظيم داخلي وتتكامل هذه الأنظمة معاً لتحقيق مايُسمى بالثقة في النظام المصرفي. وتعني تحقق الثقة وأن منظومة الحوكمة محكمة وفاعلة.

وعندما يحدث انكشاف مؤثر أو انكاشافات متعددة من حيث الزمان والمكان لأي نظام مصرفي، فإنَّ ناقوس الخطر يدق وتستنفر الجهود، لتشخيص مواطن الخلل ومعالجتها ومن ثم رسالة التطمين، بأنَّ الخلل تم معالجته وأنه لن يتكرر. والمعالجة تندرج تحت مسمى فعالية الرقابة المصرفية والحوكمة النشطة وإعادة بناء الثقة.

وفي هذا السياق، تشير المبادئ الأساسية للرقابة المصرفية الفعالة (( Basel Core principles for effective Banking Supervision ))- وتحديدا في المبدأ التاسع عشر- إلى ضرورة أن تتأكد السلطة الرقابية لكل دولة من وجود سياسات وإجراءات ملائمة لدى المصارف لتحديد وقياس وتقييم مراقبة المخاطر والإبلاغ عنها والسيطرة عليها في الوقت المناسب.

إضافة إلى تقنين نظام الظل المصرفي مثل صناديق الأموال، هياكل التوريق، وصناديق الاستثمار الجماعي. وتقنين عمل البنوك لتطبيق أسلوب المعالجة من خلال النظرة المفصلة (look through approach ) ) وأن تعمل على تقييم المخاطر الإضافية المحتملة التي لاترتبط بالهيكل الأساسي للأصول.

وهذا يقودنا إلى سؤال: هل يُتصور حدوث انكشاف مالي؟ وكيف يتم التعامل معه؟

الجواب. نعم الانكشاف المالي للمؤسسات المالية أمر وارد وحدث وسوف يحدث، لثلاثة أسباب رئيسية هي: 1- عدم قدرة مواكبة تطور الغطاء التشريعي والرقابي مع التطور في مجال التعاملات المالية والمصرفية وظهور مفاهيم وتقنيات حديثة أسرع وتيرة ويأخذ الإطار التشريعي وقتاً لاستيعابها وتنظيمها. 2- عدم قدرة المؤسسات المالية والاقتصادية على استشراف الوضع الكلي نتيجة لأحداث خارج نطاق التنبؤ مثل الأحداث المناخية الكارثية أو الكوارث الطبيعية أو الصراعات. 3- عدم استيعاب المؤسسات المالية لأهمية البحث والاستثمار في مجال الاستشراف في المجال المالي والمصرفي.

ومفصل المسألة والأهم: كيف يتم التعامل مع الانكشاف المالي؟

الانكشاف المالي أياً كان حجمه يعد إخفاقا وخللا في منظمومة اتخاذ القرار. ويعزى هذا الخلل إلى عدم وجود نظام حوكمة فاعل. خلل في إجراءات صناعة القرار، خلل في الهياكل التنظيمية.

وخلاصة القول إنَّ الانكشافات تعد خللا هيكليا في منظومة فاعلية التشريعات ومنظومة الرقابة ومنظومة الحوكمة.

ولكشف مواطن الخلل ولتقديم معالجات وحلول لبناء الثقة يقتضي الحال تشكيل فريق عمل من قضاة ومحامين وقانونيين وأكاديميين ومختصين في مجال القطاع المالي والمصرفي، لتقديم تقرير عن أسباب الانكشافات وطرق التصحيح. ويجيب على سؤال ماهو حجم ومخاطر الانكشاف الفعلي والمستقبلي، كيف حدث، متى حدث، مكان حدوثه، طرق العلاج ووضع ضوابط عدم التكرار.

تعليق عبر الفيس بوك