.. ورحل سليمان الفتى البسام

ناصر بن سلطان العموري

abusultan73@gmail.com

يا الله على الموت ما أقساه، يا الله على الموت ما أفجعه.. الموت هو الحقيقة المُرَّة التي لا تقبل الجدل ولا النقاش، هو الرحيل الأبديُّ الذي لا عودة بعده سوى يوم الميعاد، كم فقدنا من أحباب أصبحوا تحت الثرى، وأصبح ذكرهم في خزائن الزمن تحفظها القلوب قبل العقول، وقد قالها رسول الأمة صلى الله عليه وسلم: "كفى بالموت واعظا".. الموت يقدِّم لنا الدروسَ تلو الدروس من حكايات وعِبر لمن رحل قبلنا من القريب والبعيد، ولكن من المتعظ ومن النبيه الذي عمل لآخرته قبل دنياه فقد؛ غرتنا الحياة وسِرنا على طُرقها، باحثين لاهين في متع الدنيا، نلهث نحو بريقها، وعند الحديث عن ذكر الموت نأسى برهة ونحزن لفترة وجيزة، وبعدها ننطلق في مسارات الحياة غير آبهين بما يُخبئه لنا القدر.

ما دعاني لكتابة هذا المقال هو رحيل شاب في ريعان شبابه إثر مرض عضال لم يُمهله طويلاً ليس قريبًا لي ولكنه عزيز بحجم القريب، وصدق من قال: "رُبَّ أخ لك لم تلده أمك"، معزَّتُه جاءت من أخلاقه الرفيعة وابتسامته التي تضيء وجهه البسام، والتزامه الديني الذي يغبطه عليه الكبير والصغير. كان سُليمان مصباحَ مسجد الحارة بطيبته وحسن معشره ودماثة أخلاقه رغم صغر سنه، وكان حمامة الإيمان حين تلقاه في الصفوف الأولى في كل فرض، بل كان هو من يُبادر -عن طيب خاطر- حين ينثر على مسامع المصلين الوعظ والإرشاد من خلال درس المسجد الإيماني عقب كل صلاة، حتى إنَّه من يهم بالتبرع بإلقائه عليهم كان أصغر إخوته ويتيم الأب منذ الصغر، بل وكان يعشق أمه ويبرها إلى حد التقديس، وليس أدل على ذلك مما رواه لي أحد الأصدقاء حينما كان برفقته في السيارة ورأي والدته، فطلبت منه الوقوف فوراً، وعندما نزل من السيارة لمحه رفيقه وهو ينزل لتقبيل قدمي والدته لم يُبالِ بالزمان ولا المكان حينها... يالله. يا سليمان ماذا تركت من بر لمن بعدك؟

أسفي الوحيد أن الجائحة وما صاحبها من إجراءات احترازية ومنها غلق المساجد والحظر على مراحل أسهمت كلها في عدم لقائي به لمدة من الزمن، والسؤال عنه أثناء مرضه العضال، علما بأنني لم أكن أعلم حينها عنه شيئا، وكم آلمني قلبي واعتراني حزنا وكمدا عند سماع خبر وفاته المفاجئ، نظرا لقصر المدة بين اكتشافه لمرضه العضال ووفاته. رحمك الله يا سليمان، فقد أثر خبر وفاتك في الجميع دون استثناء، وترك في أفئدتهم حزنا دفينا، وهم يتذكرون وجهك المضيء، وأخلاقك النادرة في هذا الوجود، فكيف بأهلك ووالدتك الثكلى، أعانها وصبرها الله على فرقاك، فقد كنت لها نعم الفتى البار، ولا نقول إلا قول المحتسب الصابر: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، نحسبك من أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وستظل ابتسامتك النيرة تشرق في قلوب كل من يذكرك ويدعو لك بالخير؛ فمثلك لا يخبو ذكره وإن مرت السنون.